خارج الصندوق

يحللون وينصحون دون أن يفقهوا من الأمر شيئاً

إسماعيل الحمادي

مجال العقارات مجال متشعب، ومتعدد، وشاسع، رغم محدوديته، شاسع من حيث أنواعه، إذ يضم قطاع العقارات تحت مظلته نحو 14 نوعاً، ولا يقتصر فقط على السكن والمكتب والغرفة الفندقية، ومحدود من حيث المهام التي يزاولها هؤلاء الذين اختاروا هذه الصناعة.

في صناعة العقار، هناك مهنة المطور، ومهنة الوسيط، ومهنة المسوق، ومهنة المستشار، ومهنة الخبير، ومهنة المثمن، ولا يوجد أي تشابه بين هذه المهن من حيث المهام المنوطة بكل واحدة منها، لكن ما لاحظناه في السوق في الفترات الأخيرة، وفق ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي ومختلف الوسائل الإعلامية الأخرى، أن الكل أصبح مستشاراً وخبيراً في العقارات!

الذي مكّّنه الحظ بالأمس من بيع شقة أو استوديو أو شقتين، انقلب في اليوم التالي فجأة إلى خبير عقاري، يسدي نصائح للآخرين في مجال العقار، المؤلم والمخجل في الأمر في آن واحد أن معظم تلك النصائح مضللة ولا صلة لها بالواقع الملموس لتلك المشروعات التي ينصحون بها.

حتى طريقة وصفهم ومناقشتهم لوضع ما غير صحيحة، لأنها ليست مبنية على معلومات مؤكدة ودراسات سليمة عن السوق، بلغة أخرى «يحللون ويناقشون وينصحون دون أن يفقهوا من الأمر شيئاً».

لا عجب أن تجد أحدهم ينصحك بمنتج ما ليس مقتنعاً به هو شخصيا! ولا عجب أن تجد أحدهم يسرد عليك مواصفات منتج ليس متأكداً منها هو شخصياً، وفي بعض الأحيان غير موجودة في الواقع، والأعجب من ذلك أن تجد آخر يقوم باحتساب كم سيكسبك هذا العقار من عوائد أو كم ستكلفك دفعات السداد من راتبك الشهري، في حين أنه مخطئ كلياً في طريقة احتسابها.

بالمختصر، ما أراه خلال الفترات الأخيرة، أن الخبرة العقارية أصبحت مهنة تعدّى عليها الكل تقريباً، وأصبحت لقباً يطلق على كل من نطق أو كتب كلمة أو رأياً في مجال العقار، بغض النظر عن مسيرته في المجال، إن كانت يوماً أو شهراً أو سنة.

أن تكون خبيراً عقارياً، وتقدم نصائح ومعلومات عقارية، ليس أمراً سهلاً وبسيطاً، ولو كنت جزءاً من هذه الصناعة، فمعطف الخبرة العقارية يستحقه من يبحث ويدرس ويجرّب ويقارن، يستحقه من أبحر في مهنة العقار أكثر من ثلاثين سنة، ويستحقه من يقدِّم نصيحة عقارية بضمير حي، نصيحة صادقة تخدم العملاء لتخدم السوق كلها بعدها. كم من نصيحة صادقة رفعت من قيمة السوق، وكم من نصيحة دمرت كل ما تم بناؤه لسنوات، فالنصيحة والاستشارة العقارية لعبة لها قواعدها وضوابطها وأهدافها، فإن تم تطبيقها بدقة عادت بالفائدة على الجميع.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر