كـل يــوم

تصرفات بسيطة لكنها مُكلفة!

سامي الريامي

أشكال التعدي على المال العام كثيرة ومعروفة، وهي جميعها دون شك شكل من أشكال الفساد، خصوصاً تلك التي يتضمنها استغلال المنصب من أجل الحصول على المال، والتربح غير المشروع، عموماً هي ليست موضوعنا اليوم، لتعدد وكثرة أشكالها وأنواعها، والقانون يصنفها بشكل واضح، ويعاقب عليها، وهي معروفة للجميع.

لكنّ هناك نوعاً آخر من هدر المال العام، غالباً لا يوجد فيه سوء نيّة من المسؤول، ولا يهدف من ورائه إلى التربح والكسب المالي غير المشروع، لكن تصرفاته في النهاية تندرج تحت بند الإهمال، والتسبّب في هدر المال العام، قد لا يشعر بها هذا المسؤول، بل إنه في كثير من الأحيان يعتقد أنه يُسهم بجد ونجاح في عمليات التطوير، لكنه في الحقيقة يفعل عكس ذلك، وتصرفاته وقراراته هما سبب من أسباب خسارة الدولة موارد مالية، كان يمكن الاستفادة منها في أمور أُخرى بشكل أكثر فاعلية وفائدة.

المُشكلة هنا أن القانون لا يعاقب على ذلك، بل ربما لا يتدخل أبداً مهما كان حجم الهدر المالي، لأنه بكل بساطة لا يوجد سوء نيّة، وغياب سوء النيّة يعني غياب الجريمة، رُغم وجود الضرر، ورغم احتمالية اتساع هذا الضرر مع بقاء هذا المدير دون اتخاذ إجراءات مناسبة ضده!

هذه التصرفات، وهذه النوعية من القرارات كثيرة جداً، منها ما هو صغير وبسيط، ومنها ما هو كبير في الحجم والأثر، لكن المؤسف أن مجموعها بالتأكيد يُشكل رقماً ضخماً، فالنار تبدأ من مستصغر الشرر، خصوصاً مع تعدد الجهات والدوائر والمؤسسات وتنوع نشاطاتها.

على سبيل المثال لا الحصر، تنفيذ أفكار أو مشروعات غير مدروسة بعناية، والصرف على أمور غير ضرورية وغير مفيدة لصميم العمل، وشراء معدات أو أجهزة ليست من ضروريات العمل، أو يمكن استبدالها بأجهزة أخرى أقل كُلفة، أو حتى استخدام أجهزة مكلفة بشكل غير فاعل، والاستفادة منها بشكل جزئي ليس كاملاً، كل هذه الأمور وغيرها هي هدر للمال العام، وهي قرارات يمكن توفير المال فيها لو تمت دراستها بشكل أفضل من المسؤولين، أو على أقل تقدير لو حكّم المسؤول فيها ضميره، وتعامل مع إجراء الشراء كما يتعامل مع البضاعة التي يشتريها لنفسه أو لبيته، لاشك في أنه سيكون أكثر دقة وأكثر حرصاً وتدقيقاً.

مثل هذه التفاصيل الدقيقة هي مسؤولية جميع المسؤولين، ولاشك في أن جهاز الرقابة المالية يتحمل جزءاً كبيراً من هذه المهمة الصعبة، خصوصاً في ما يتعلق بكيفية رصد هذه الحالات، ودراسة أثرها السلبي في المال العام، ولو استطاع الجهاز بشبابه المواطنين حصر هذه الحالات، ووضع حدّ لمثل هذه التصرفات، فلاشك في أنه سيحقق إنجازاً كبيراً، وسيوفر على الميزانية العامة الكثير من الملايين الضائعة هنا وهناك!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر