كل يوم

«قصة» محمد بن راشد.. وصفات للنجاح وإثراء للعقول..

سامي الريامي

الجلوس مع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله، لمدة نصف ساعة، أو أقل، تمُدك بخبرة ومهارة لا تكتسبهما في عملك سنوات، ولن تجدهما في أيٍّ من كتب الإدارة، فسموه، حفظه الله، يمتلك مخزوناً ثرياً من الحكمة والمبادئ والقيم والتجارب، ويمتلك كذلك أسلوباً جذاباً وذكياً في جذب الانتباه وإيصال الرسائل، ليجعل المتلقي يُنصت لكل كلمة ومفردة وجملة، ويجعل ذلك المُتلقي يتمنّى في داخله أمنية واحدة، ولا شيء غيرها، «ليت تلك القصة لا تنتهي».

قليلون هم الذين تشرفوا بالنهل مباشرة من هذا النهر، الذي لا ينقطع خيره وعطاؤه، قليلون هم بالنسبة لأعداد البشر في الإمارات وخارجها، لذلك قرّر سموه، كعادته دائماً، ألا يحرم أحداً، هُنا في الإمارات أو خارجها، في هذا العصر أو في العصور القادمة، خبرته وحكمته وتجربته، وقصص النجاح التي تراكمت وأنتجت واحدة من أنجح التجارب العالمية، بشهادة العدو قبل الصديق، والغريب قبل القريب، تجربة تنم عن عبقرية في الحُكم والإدارة، وفي شحذ الهمم وتفجير الطاقات والإمكانات لخدمة الوطن، فجاء كتاب «قصتي» ليروي للعالم أجمع، 50 قصة نجاح وإبداع وتحدٍّ ومثابرة، مرت على ذلك القائد المُحنك على مدى 50 عاماً.

في كتابه الجديد تحدث محمد بن راشد عن أحداث وقصص شكّلت شخصيته منذ أن كان طفلاً، وتحدث عن معلمه الأول الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، الذي كان يردفه معه على خيله، في جولاته الصباحية وهو مازال في الثالثة من عمره، وهو الذي علمه عن الصحراء، وكيف يمكن أن يعيش فيها حياة كاملة، رغم قسوتها، وقلة مواردها، وكل ما يحيط بها من مخاوف.

لم يكتفِ راشد بن سعيد، طيب الله ثراه، بذلك، بل أرسل ابنه محمد، وهو في عمر الثامنة إلى الصحراء البعيدة، ليعيش أياماً بعيداً عن الماء والبنيان، ويتعلم الصيد بالصقور والكلاب، ويتعلم كل حركات الحيوانات وعاداتها.. عاش محمد بن راشد أياماً على وجبة «القرص»، وهي عبارة عن خبز غليظ مطبوخ تحت الفحم والرماد، و«مطحون» بالرشاد، ومضاف إليه الدهن والعسل، وهذا القرص يشكّل مع حليب النوق وجبة فاخرة في الصحراء، ونام محمد بن راشد في الصحراء الباردة، وكان يستيقظ مرات عدة كل ليلة من شدة الألم، نعم كان يتألم من لدغات العقارب الصغيرة التي كانت تبحث عن الدفء أيضاً، فتجده في فراش محمد بن راشد!

وتحدث سموه عن رفيقة درب راشد بن سعيد، والدته الشيخة لطيفة بنت حمدان آل نهيان، رحمة الله عليها، روى سموه للمرة الأولى حزن والدته على فقدانها لابنها مروان وهو صغير، مروان ولدها الثالث الذي أنجبته بعد مكتوم بن راشد، رحمه الله، وحمدان بن راشد، حفظه الله، حزنت كثيراً عليه، ولم يتحمل قلبها الرقيق فراقه، لكنها بعد سنوات عدة حلمت بأنها تُنجب ابناً جديداً تسميه محمد، وشاء الله أن تتحقق رؤياها لتنجب لراشد بن سعيد، ولدبي، وللإمارات، وللعالم، محمد بن راشد آل مكتوم.

«قصتي» سيرة ذاتية، لا يمل الإنسان قراءة تفاصيلها، فهي رائعة بكل معنى الكلمة، ولم يشأ كاتبها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن يختمها دون فائدة عظيمة، فختم بوصاياه العشر التي وضع فيها رؤيته وخبرته الطويلة لإصلاح الإدارة الحكومية في كل مكان، وكل وقت، وصايا هي وصفات النجاح والتفوق والوصول إلى المرتبة الأولى.

وصايا محمد بن راشد لكل مسؤول حكومي، في الإمارات، وفي الوطن العربي الكبير: اخدم الناس، فالغاية من الإدارة الحكومية هي خدمة المجتمع، ولا تعبد الكراسي، فالوظيفة والمنصب والمسؤولية كلها مؤقتة، ولابد من التخطيط، فعندما لا تخطط فأنت عملياً تُخطط لفشلك، والوصية الرابعة، راقب نفسك، وراقب الأداء في مؤسستك، ثم اصنع فريق عملك ولا تحلق وحيداً، ولا تغرّد وحيداً، ولابد من الابتكار، ابتكر أو انسحب، ثم لابد من التفاؤل والتواصل، تواصل مع جمهورك، ومع مجتمعك، ومع الإعلام، ومع من حولك، والوصية الثامنة، لا تكن من غير منافس، فالتنافسية مبدأ مهم في سلوك البشر، وإن لم تجد من تنافسه، نافس نفسك، ثم الوصية التاسعة، اصنع قادة، فالقائد الحقيقي هو من يصنع قادة، وأخيراً الوصية العاشرة، انطلق لبناء الحياة، فوظيفة المسؤولين الحكوميين هي تغيير حياة الملايين نحو الأفضل.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر