5 دقائق

هراء «طعام صلاة حب» (2)

عبدالله القمزي

هناك اعتقاد راسخ لدى ممتهني التدريب على الحياة، أن الذهاب إلى إندونيسيا أو الهند أو إسبانيا، أو أي دولة تتمتع بمناظر طبيعية، شرط أساسي لتبدّل الشخصية إلى الأفضل، وذلك تحت مسمى استثمر في نفسك.

هذا هراء لا منطق له، ولا ينطبق على كل البشر، إذ إني شخصياً أعرف الكثيرين غيري لا تستهويهم الطبيعة، ويصابون بالملل منها خلال ساعة فقط، هذه حقيقة، فالبشر متنوعون لأن سلوكنا وقراراتنا تعكس شخصياتنا التي تتشكل حسب التربية وظروف البيئة، وقناعات كل فرد من خلال التجارب في الحياة.

خذني إلى الطبيعة وسأقول لك بعد ساعة واحدة فقط أريد العودة إلى الحياة، والحياة عندي يعني التجمعات الحضرية ،والازدحام في الأسواق والساحات الشعبية أو المراكز التجارية. أريد أن أشرب قهوة وأنظر إلى البشر من حولي، أو استكشاف الأماكن المحيطة، وهذا ما يجلب لي الإلهام.

الطبيعة جميلة نعم، لكنها لا تلهمني ولا تساعد في تغيير شخصيتي أو إعادة اكتشاف ذاتي، بالنسبة لي هي مملة، ليس كل ما يقوله هؤلاء كلام مقدس يجب تطبيقه، هذه شخصيتي وشخصية الكثيرين مثلي.

مدربو الحياة هدفهم الأول تجاري، يريدون إيهامك بأنك ضعيف وبحاجة إليهم، وليس كل ما يقال صحيحاً، كله كلام تنظيري حتى لو قالوا أثبت العلم كذا وكذا.. العلم لم يثبت ذلك على شخصيتي وأطباعي، والذي قال لي جرب ما يسمى التأمل أو Meditation أو «يوغا»، قلت له أجد البديل في الصلوات الخمس، الخشوع في الصلاة ينقي العقل ويجلب السكينة.

الاستثمار في نفسك يعني أن تتعلم شيئاً جديداً وتمارسه حتى تتمكن منه، وتكتسب خبرة جديدة تحصد ثمارها في الحياة، وتضيفها إلى مجموعة تجاربك كي تستفيد منها في المستقبل. لدي صديق يجرب كل شيء في التقنية منذ 20 عاماً، واليوم أصبح محترفاً.

أعرف امرأة شغوفة بتعلم اللغات، وأخرى تتعلم الرسم، وآخر تعلم التصوير الفوتوغرافي، وغيره يجري خمسة كيلومترات يومياً كي يقوي جسمه حين يشيخ. هذه كلها استثمارات في أنفسنا، نستطيع ممارستها في أي مكان من دون عناء السفر إلى الطبيعة، وحتماً ستثمر نتائجها مستقبلاً، وستؤثر إيجاباً في شخصيات ممارسيها. المبدأ أن تتعلم شيئاً جديداً لتعميق الخبرة، وحتماً لست بحاجة إلى زيارة الطبيعة لتغيير ذاتك.

في الدورة المذكورة في المقال السابق، بعنوان «موضة طعام صلاة حب» في البحرين، طلب منا مدرب الحياة الصراخ بأعلى صوتنا لإخراج الطاقة السلبية! صرخ الجميع بشكل هستيري كأن عفاريت ظهرت أمامهم! وخُيل إلي أنني وسط مجانين، ورفضت الاستجابة لطلب المدرب رفضاً قاطعاً، فعزلني عن المجموعة، واتهمني بعدم الجدية ونصحني بألا أكون من جماعة خالف تعرف! بعد الدورة ركبنا الحافلة والجميع أصواتهم مبحوحة، فقال لي أحد المشاركين: جعلتنا نشعر أننا إمعة!

بالعربي: في فيلم Gaslight عام 1944 تؤدي إنغريد بيرغمان دور امرأة يوهمها زوجها أنها مجنونة، وينجح في ذلك إلى حد كبير. بكلمات أخرى: إقناع عاقل أنه مجنون أخطر بكثير من محاولة إقناع مجنون بأنه عاقل لأنه لا يعلم أنه مجنون!

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر