5 دقائق

نبي الرحمة وهادي الأمة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

ذكرى مولد حبيبنا وشفيعنا وهادينا إلى صراط الله العزيز الحميد، سيدنا محمد بن عبدالله، صلوات الله وسلامه عليه، هي ذكرى عزيزة على قلب النبي عليه الصلاة والسلام، فقد كان يخصها بشكر الله تعالى بصيام يوم مولده أسبوعياً، لأن الصيام أصدق تعبير عن الشكر، لكونه أحبَّ العبادات إلى الله تعالى، ولذلك اختصه لنفسه ليجزي به عبده جزاء مباشراً دون إسناده إلى ملائكته الكرام.

- رسول الهداية كان

رحمة للعالمين، وكان

رؤوفاً رحيماً، وكان

حليماً عظيماً، وكان

كريماً سمحاً، وكان

محباً للبشرية كلها.

وقد رأى ساداتنا المالكية أن هذا من خصائصه، عليه الصلاة والسلام، أما غيرهم فرأوا أن يوم مولده هو يوم فرح بنعمة الله تعالى، فلا يناسبه الصيام، بل بشكره سبحانه وتعالى بما يناسب جليل نعمته، إلحاقاً ليوم المولد بالأعياد - كذا قالوا - وهو الأمر الذي لقي قبولاً عملياً من الأمة الإسلامية جمعاء، فإنها تجدد فرحها العظيم بهذه النعمة الكبرى، والمنّة العظمى، والرحمة العامة الشاملة التي نالتها أمة الهداية وأمة الدعوة، على حد سواء، فتكون مناسبة لتُجدّد ولاءها له، عليه الصلاة والسلام، بما يجب له من عظيم المحبة التي هي أساس الإيمان، وبالغ التوقير الذي هو إحدى غايات بعثته، عليه الصلاة والسلام، وكمال الاتباع الذي هو البرهان العملي على صدق الإسلام والإيمان، وهي أمور كلية يتفق عليها المسلمون، وهي لازمة لهم، وعليهم في كل حين - بمقتضى إسلامهم وإيمانهم بالله تعالى ورسوله، عليه الصلاة والسلام - أن يجعلوا هذه المعاني ملازمة لحياتهم وجميع شؤونهم.

فهذا النبي الذي قال الله تعالى عنه: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾، يجب أن يكون اتباعه في أخلاقه العظيمة كوجوب اتباعه في تشريعاته الكريمة، فإنه كما بعث بالتشريعات التكليفية إيماناً وصلاة وزكاة وصياماً وحجاً وغيرها؛ كذلك يجب اتباعه في أخلاقه العظيمة التي بعث ليتممها، وكانت سمة دينه العظيم، فيتمثّلها المسلم في نفسه مع ربه سبحانه، فيستحيي منه حق الحياء، ويعبده بالشكر والوفاء، ويتمثّلها مع مجتمعه فيكون رحيماً بهم سمحاً معهم حليماً عنهم كريماً في عطائه، سخياً في بذله وفياً في تعامله صادقاً في قوله وفعله، متميزاً في أعماله مخلصاً في عبادته مكثراً من ذكره والصلاة والسلام عليه.. إلى غير ذلك مما كان عليه المصطفى، عليه الصلاة والسلام، في كل شؤونه، كما أمر الله تعالى المؤمنين بقوله: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾، ومعنى كونه أسوة أنه يتأسى به في جميع أحواله، إلا ما اختُصّ به عليه الصلاة والسلام.

فهي مناسبة عظيمة للمسلم ليشحذ بها همته، حتى تكون هذه الأسوة الحسنة حاضرة في جميع أحواله، لاسيما في هذا الزمن العصيب الذي أسيء فيه للإسلام والمسلمين إساءة بالغة، بسبب تصرف بعض المسلمين تصرفات غير نبوية، فصادفت رغبة من قبل أعدائه وجَهَلة أهله للكيد للإسلام، فألصق به وصف الإرهاب وما شاء لهم زعمه من الباطل، مع علم الناس أجمعين أن سلوك الأفراد، الذي قد يشذ عن الجادة ليس حجة على منهج الإسلام، لأن مثل ذلكم الشذوذ صفة ذاتية للفاعل وليس للمنهج، فرسول الهداية كان رحمة للعالمين وكان رؤوفاً رحيماً، وكان حليماً عظيماً وكان كريماً سمحاً، وكان محباً للبشرية كلها، وكان يدعو لكل ذلك بسلوكه وأقواله، فمن تأسَّى به يكُن قد حقق الفوز لنفسه ونال محبته وحظي بشفاعته، ومن أبى وتنكّب طريقته وهديه ولم يتأسَّ به، فإنما إثمه على نفسه، ولا يلحق منهجه ودعوته شيء من ذلك الوصف المُشين.

فمظاهر هذه الذكرى العظيمة ليست فقط بإظهار الفرح بولادته، عليه الصلاة والسلام، لكونها السبب الأول لبعثته وهداية الناس إلى الله تعالى، بل أن تكون تجديد عهد من المسلم أن هذا الذي يفرح به هو أسوته في جميع أحواله وتصرفاته، وأن عليه أن يزن أعماله وتصرفاته بذلكم المحتفى به، عليه الصلاة والسلام، حتى يكون صادقاً في المحبة مبرهناً عليها.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر