كـل يــوم

رسالة مكتوم عبر غرفة العمليات!

سامي الريامي

لابد من الشدة، ولابد من تفعيل القوانين، ولكن في كثير من الأحيان التعامل بروح القانون له نتائج أوقع، وأثر بالغ في ترسيخ القناعة الذاتية لدى الأفراد للالتزام بالقوانين، حباً فيها وليس خوفاً منها، والعبقرية تكمن في كيفية مفاضلة صاحب القرار في توقيت تطبيق القانون بحذافيره، أو اللجوء إلى روح القانون، ومدى قناعته ورؤيته لاختيار الطريقة المثلى التي ستؤدي إلى النتيجة الأفضل، وهي في نهاية الأمر الدعوة إلى الالتزام بالقانون والتوعية بأهميته حفظاً للمجتمع.

هذه العبقرية تجلت في قصة رواها صديق عربي مقيم في دبي، نقلها بتفاصيلها عن قريب له، هذا الشخص وهو مقيم في دبي أيضاً، تلقى اتصالاً من غرفة عمليات شرطة دبي، اتصال غريب حقاً، لكنه غيّر فيه الكثير، وأثّر بشكل كبير فيه، وفي كل من سمع قصته، سأله الضابط عن تفاصيل سيارته، وعن توقيت معين كان يسير فيه على شارع معين، أجاب المقيم العربي: هي بالفعل سيارتي لكني لم أكن أنا من أقودها في هذا الوقت، بل كان أخي.

ليفاجأ بعدها بهدف المكالمة، حيث أبلغه ذلك الضابط أنه يحمل «رسالة شخصية» لمالك السيارة ومن كان يقودها، هذه الرسالة من سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم نائب حاكم دبي، فسموه طلب من العمليات الاتصال بصاحب السيارة بعد أن أعطاهم رقم اللوحة، وقال لهم: «أبلغوه نصيحتي الشخصية له، لأنه كان يقود السيارة وهو يستخدم الهاتف فترة ليست بالقليلة، وكان واضحاً انشغاله عن الطريق بطريقة قد تؤدي إلى وقوع حادث يؤذيه أو يؤذي غيره، فمن باب حرصنا عليه وعلى سلامته وسلامة أبنائه ومن يعزّ عليه، أطلب منه الالتزام بالقانون، وعدم الانشغال بالهاتف أبداً أثناء قيادة السيارة، لمصلحته أولاً، فهي مجرد ثوانٍ بسيطة، وقد يحدث فيها ما يجعله يندم على ذلك التصرف بقية عمره».

هي فراسة القائد في الوصول إلى الهدف، بأرقى وأفضل الأساليب، هذا الأسلوب لاشك أنه سيترك أثراً في نفس صاحب السيارة، بل في نفس كل من سيسمع القصة، وبشكل لا يمكن تجاهله مستقبلاً، فسموه كان قادراً، وبكل بساطة، أن يطلب مخالفة السيارة، بل وحجزها، فهو يملك هذا الحق، لكنه لم يختر هذا الطريق المعتاد، لأن أثره لن يدوم طويلاً، بل ربما ينكر صاحب السيارة استخدامه للهاتف، ويكابر ويعاند، ومن الممكن أن يدفع المخالفة، ويستمر في الخطأ، لكنه من المستحيل أن يفعل ذلك بعد أن جاءته هذه الرسالة، ومن شخصية قيادية بحجم نائب حاكم دبي، وهذا بالفعل كان رد صاحب السيارة على مكالمة غرفة العمليات، حيث قال «أعدكم أن يلتزم أخي بالقانون، وأن ألتزم أنا أيضاً، فسمعاً وطاعة، ولن يستخدم أيٌّ منا الهاتف أثناء القيادة مهما حدث، وكل الشكر والتقدير لسمو الشيخ مكتوم على حرصه واهتمامه بحياتنا وسلامتنا».

هي ليست دعوة لمخالفة القانون، بل هي دعوة لنشر التوعية بأهمية تطبيق القانون وترسيخه في قلوب أفراد المجتمع بكل الطرق، واختيار الطريقة المناسبة لذلك.. الإقناع ومخاطبة العقل والقلب معاً، أو إنفاذ القوانين ومعاقبة من لا يستمع لنداء العقل، والمسؤول الذكي هو الذي يجيد فن اتخاذ القرار المناسب، في التوقيت المناسب، لكلتا الوسيلتين، وأعتقد أن هذه هي الرسالة الأولى من مكتوم بن محمد، حفظه الله، لكل المسؤولين.

أما الرسالة الثانية فهي لجميع أفراد المجتمع، فلا رسالة هاتفية أو فيديو قصير مهما كانت درجة أهميتهما يعادلان أهمية الحياة، فلا ينشغل أحدٌ بمحتويات هاتفه، ويفقد حياته، أو يتسبب في أذى نفسه أو غيره، فالانتظار نصف ساعة أو أكثر إلى حين الوصول أفضل بكثير من الانشغال لثوانٍ بسيطة وخسارة شيء عظيم لا يعوضه شيء آخر، وعندها لن ينفع الندم إطلاقاً، بل سيتمنى الإنسان حينها لو يدفع كل ما يملك كمخالفة، ويسترجع صحته أو حياته كما كانت قبل المخالفة.

هذه رسالة مكتوم الثانية، ولكل إنسان حرية اختيار القرار في ذلك!

reyami@emaratalyoum.com

twitter@samialreyami

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر