معايدات

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

تقبّل الله منا ومنكم أيها المسلمون صيامكم وقيامكم وصالح أعمالكم، وأعادكم إلى أمثاله بالخير والبركة والعفو والعافية.

هكذا نعايد بعضنا في هذا اليوم، الجميل المبارك؛ فهو يوم الزينة، ويوم ذكر الله وشكره على نعمة إتمام النعمة، وكمال المِنَّة بصيام شهر رمضان وقيامه والعمل الصالح فيه، ونسأل الله قبوله، فهذا اليوم هو يوم عيدنا معشر المسلمين الذي نفرح فيه بتمام النعمة والفضل عملاً بقوله سبحانه: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، ونعبر عن فرحنا بما ندبه الله لنا من التكبير والتهليل والتحميد، ابتداء من ليلة العيد إلى صلاته، جهراً وسراً، وأعقاب الصلوات وفي الأسواق والطرقات، إظهاراً لشعار العيد المجيد.

وهو يوم الجائزة الإلهية لعباد الله الصائمين كما رُوي مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق، فنادوا: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم، يمُنُّ بالخير، ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أُمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا، نادى منادٍ: ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة».

وهو يوم زكاة النفس بالبذل والعطاء لمحتاجي المسلمين بما يسمى شرعاً بزكاة الفطر أو صدقة الفطر، والتي أوجبها النبي صلى الله عليه وسلم على أمته صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم وغنيهم وفقيرهم، لتكون طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، والتي تعني التكافل الاجتماعي بين المسلمين حتى تتحقق فيهم صفة الجود والكرم، وتتحقق معاني الأخوة والتحاب بينهم، فالغني والفقير يستويان في البذل، وحتى تنال يد الفقير خيرية العطاء كما تنالها يد الغني الموفق دائماً.

وهو يوم الجمعة الذي هو أفضل الأيام الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة»، وفي رواية: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي»، قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ فقال: «إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء».

ولفضل هذا اليوم شرع فيه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم صلاة الجمعة التي هي أفضل الصلوات، وأنزل فيها قوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، وهي فرض يومها على الرجال البالغين المقيمين الأصِحَّاء، فلا تسقط عنهم بحال، سواء حضروا صلاة العيد وخطبته أم لا؛ لأن الجمعة فريضة فلا تسقط بفعل النافلة، ولا تزاحمها، ولا يلتبس هذا بما روي من الترخيص بعدم حضورها لمن شهد العيد؛ فإنما تلك رخصة لأهل العالية – بادية المدينة – الذين حضروا صلاة العيد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان يشق عليهم العود كما يشق عليهم الانتظار، ولا جمعة عندهم، فمن كان في المدينة، أو كانت الجمعة في دياره، فإنه لا يسعه ترك فريضة الجمعة وهو من أهل الوجوب.

وهو يوم التواصل والتزاور بين الأقارب صلة للأرحام التي أمر الله بها أن توصل، والأباعد حتى يتم التحاب الذي هو سبب عظيم لدخول الجنة، لأن ديننا دين محبة ووئام وسلام واحترام.

وهو يوم اللهو المباح الذي تحتاجه النفس بعد صيامها عن الشهوات وكثير من المباحات، كما أباح ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: «لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة».

فاللهم أعد علينا العيد في كل دهر جديد وزمن مديد مع العفو والعافية.

وكل عام وأنتم بخير.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .  

تويتر