5 دقائق

بيئة العمل الذكية

الدكتور علاء جراد

بالنسبة للكثير من المؤسسات والدول التي تأخذ بأسباب التكنولوجيا وتسعى للتطوير المستمر، لم تعد بيئة العمل كما كانت منذ 20 عاماً، بل لم تعد كما كانت منذ ثلاثة أعوام، ولن تكون كما كانت نهائياً، فقد ساعدت التقنيات الحديثة وأساليب العمل التي لم تكن معروفة، على ظهور أنماط جديدة في العمل، مثل اقتصاد الخبراء، وهو مبني على الاستعانة بالخبراء المتخصصين في تأدية مهام معينة مقابل أجر متفق عليه، وبالتالي لم يعد موضوع الالتزام بساعات عمل محددة أمراً ذا شأن، كما انتشر نظام ساعات العمل المرنة، والعمل من المنزل أو من أي مكان، ولتلك الممارسات والاتجاهات آثار كبيرة، معظمها إيجابي، فهي تخلق الكثير من الفرص، كما أن لها أبعاداً اجتماعية حسنة، حيث تمكن الكثيرون من المواءمة بين متطلبات رعاية الأسرة والعمل في الوقت نفسه.

في عام 2015 تبنى مجلس الوزراء في بريطانيا إعداد مواصفة ودليل لبيئة العمل الذكية، وقد قامت المؤسسة البريطانية للمواصفات BSI بإعداد تلك المواصفة التي تحمل رقم PAS3000:2015، وهي مواصفة غاية في الروعة والفاعلية، ويمكن تطبيقها بسهولة في حال توافر الدعم من الإدارة العليا بأي مؤسسة، وتتكون المواصفة من سبعة معايير تغطي كل جوانب العمل الذكي، فيبدأ المعيار الأول بتعريف العمل الذكي بأنه «منهجية تتبناها المؤسسة، تهدف لتحقيق الكفاءة والفاعلية في الوصول لمخرجات الأداء الوظيفي، من خلال المرونة والاستقلالية والتعاون، والاستفادة بالأدوات والتقنيات المتاحة للموظفين». ويندرج تحت ذلك استخدام نظام الساعات المرنة والعمل بدوام جزئي، والتشارك الوظيفي والمهام المؤقتة، والاستعانة بمتخصصين من خارج المؤسسة Freelancers واستخدام تطبيقات الموبايل، وفرق العمل الافتراضية التي تعمل عن بُعد وفي أماكن مختلفة، بل قد تكون في دول مختلفة.

تتناول المواصفة أيضاً نموذجاً لمستوى النضج الذي تمرّ به المؤسسات، كما تحدد المبادئ الأساسية لنجاح العمل الذكي، وتتطرق لأهمية دعم القيادة ورؤيتها بهذا الشأن، والثقافة المطلوب تجذيرها لنجاح أسلوب العمل الذكي، بل وتتناول أمثلة عملية توضح تلك الثقافة المؤسسية، وكيفية إدارة منظومة العمل حتى لا يفشل في مرحلة التطبيق، وتستعرض البيئة العملية في المؤسسة من حيث تصميم المكاتب والأماكن الترفيهية والتكنولوجيا المطلوبة، وأساليب العمل من خارج المؤسسة، وفي المعيار الأخير تتناول آليات التطبيق بالتفصيل. ما لفت انتباهي في هذه المواصفة أنها دليل عملي وليست مجرد متطلبات نظرية. أتمنى أن تتبنى مؤسساتنا في الوطن العربي هذه المبادئ والممارسات التي قد يكون لها الكثير من الإيجابيات، وقد تسهم في حل الكثير من المشكلات الاجتماعية.

Alaa_Garad@

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر