كل يوم

جميعنا نحتاج قفزة فوسبري

سامي الريامي

في مسابقات القفز العالي، تعوّد الأبطال على القفز بأرجلهم وهم يواجهون العارضة، إلى أن ذُهل المتفرجون في أولمبياد مكسيكو عام 1968، عندما شاهدوا البطل ديك فوسبري يقفز بطريقة جديدة عليهم وعلى العالم آنذاك، فقد قفز عكس جميع المتسابقين بالخلف وظهره إلى العارضة، والمفاجأة كانت أنه حطم الأرقام القياسية في القفز، وفاز بالذهبية، ومنذ ذلك العام دخل فوسبري التاريخ لتبقى قفزته المعروفة بـ«قفزة فوسبري» إلى اليوم، مع أنه ترك الرياضة وعاد ليعمل مهندس طرق في مدينته الأميركية، ولم يشارك حتى في أولمبياد ميونيخ 1972!

سمو الشيخ عبدالله بن زايد استخدم هذا المثال الرائع في جلسته أمس في القمة العالمية للحكومات، وقال «يحتاج التعليم في الإمارات إلى (قفزة فوسبري)»، وفي ذلك إشارة واضحة إلى ضرورة إجراء تغيير شامل في المفاهيم والأسلوب والطريقة والتكنيك في التعليم، أسلوب جديد قد يكون معاكساً لكل ما تعلمناه، لكنه دون شك سيكون الأفضل للمستقبل، فالمستقبل مختلف تماماً عن الماضي والحاضر، ولا يمكننا أبداً أن نتعامل معه بأدوات ومهارات وتعليم اليوم، لذا.. إذا لم نفكر جميعاً في طريقة نوعية مميزة لنقل التعليم إلى مستوى ملائم لتحديات ومتغيرات المستقبل، فإننا دون شك نضع الأجيال القادمة أمام تحديات صعبة، لن يستطيعوا أبداً مواجهتها أو التغلب عليها!

جميعنا نحتاج إلى «قفزة فوسبري» في التخطيط للمستقبل، وجميعنا تعني وزراء ومسؤولين وتربويين وأولياء أمور، والمسؤولية لا تنحصر في الحكومة، بل إن الدور الرئيس يبدأ من الأسرة، إذ عليها استيعاب التغيرات المقبلة، وإدراك أن المستقبل لن يكون مفيداً لحملة شهادات دون مهارات. وعليها توجيه الأبناء نحو تخصصات مختلفة، فسوق العمل المقبلة مختلفة عن الحالية، ووظائف اليوم لن تكون هي ذاتها وظائف المستقبل. وهذا ما أكده الشيخ عبدالله بن زايد في جلسته القيّمة جداً، حينما قال إن 65% من الأطفال الذين دخلوا المدارس العام الماضي، لن يجدوا الوظائف الحالية حينما ينهون تعليمهم الجامعي. بل الأكثر من ذلك أن 1.9 مليون وظيفة ستختفي من سوق العمل الإماراتية مستقبلاً، بسبب الثورة التقنية والذكاء الاصطناعي. لذلك، فإن من سيظل يقفز على العارضة بالأسلوب التقليدي لن يحقق بطولة ما لم يبدأ من اليوم بالتفكير في قفزة معاكسة، وبتعلم مهارات جديدة ليدخل سباق المستقبل!

ليس تشاؤماً بل هو تحفيز، ودعوة لإطلاق العنان أمام العقل ليبدأ في التفكير بطريقة مختلفة، صحيح أن رقم الوظائف التي ستختفي مُخيف وضخم جداً، لكن في مقابل ذلك هناك آلاف من الفرص ستتوافر، وملايين الوظائف المختلفة ستظهر، شريطة الاستعداد والتأهل لها من خلال تعلم المهارات الخاصة بها!

النقلة النوعية يجب أن تبدأ من المدارس والجامعات، من المناهج والتخصصات، فلن يكون مقبولاً ولا مجدياً مستقبلاً أن تكون مخرجات التعليم العالي في الإمارات كما هي العام الماضي، 36% نسبة الخريجين في إدارة الأعمال والاقتصاد، و10% الشريعة والقانون، و13% الاتصال والعلاقات العامة، و15% الهندسة، فالمستقبل يحتاج أيضاً الرياضيات والتكنولوجيا والبرمجة والعلوم والذكاء الاصطناعي!

ولن يكون مقبولاً أن يكون حلم 60% من شباب الإمارات العمل في وظيفة حكومية، في حين أن 13% منهم فقط يطمحون إلى تأسيس عمل خاص، كما جاء في استبيان حديث، بالتأكيد المستقبل لن يكون للوظائف الحكومية، ولن يكون لمن يفكر في الروتين وتحقيق دخل متوسط مضمون، هؤلاء الشباب الذين شملهم الاستبيان بحاجة إلى «قفزة فوسبري» في طريقة تفكيرهم لوظيفة المستقبل، ونحن أيضاً جميعاً بحاجة إلى هذه القفزة، حتى نواكب حكومتنا في التفكير والتخطيط لمستقبل أبنائنا، وتأهليهم لمواجهة التحديات المقبلة!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر