كل يوم

الشباب ليس مرحلة عمرية فقط!

سامي الريامي

خلال لقائه مع أعضاء مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية، لاحظ سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد وجود تنوع في أعمار الأعضاء، فمنهم محنكون أصحاب خبرة طويلة وتجربة ثرية، ومنهم شباب أصحاب تجارب ناجحة لكنهم أصغر سناً، فقال بكل ذكاء: «أنا لا أرى هُنا سوى مجموعة شباب مليئين بالحيوية والنشاط الفكري، رغم اختلاف هيئاتهم وأعمارهم»، وأردف قائلاً: «الشباب ليس بعدد السنوات، هذا مفهوم خاطئ، بل الشباب بمستوى التفكير الإبداعي، والقدرة على مواكبة العصر، وحجم الإنتاج والتطوير».

كلمات رائعة، لا تندرج تحت بند المجاملة، وليست من باب رفع معنويات أحد، إنها حقيقة قد تغيب عن كثيرين، أو ربما يُخطئ فهمها كثيرون، فالشباب ليست مرحلة عمرية مرتبطة بسنوات معينة، وهي ليست فترة زمنية تنقضي بانقضاء سنواتها، بل هي مرحلة فكرية، وهي فترة بقاء الحيوية والقدرة على التغيير والتطوير، وهي مرحلة إنتاج وعطاء، وهي حجم القدرة على التفاعل بإيجابية مع متغيرات الزمن، ومواكبة كل جديد فيه، ولا علاقة لكل هذا بالعمر المرتبط بعدد السنين!

هذا المفهوم الجميل لكلمة الشباب جعلني أسترجع رسالة قصيرة، أرسلها لي رئيس تنفيذي لجهة شبه حكومية، وضع لها عنواناً هو: «نحن أيضاً شباب»، وختمها بكلمات تقول «شيء كتبته من حُرقة»، يقول فيها: «من الذي وضع قانون تحديد وتسمية الفئات العمرية؟ ومن الذي حدّد فئة الشباب وربطها بسن معينة تبدأ برقم وتنتهي برقم؟!».

هل تم ربط هذا الرقم يا ترى بسن الاعتزال لرياضة معينة، أوَلم يعلم بأن حارس المرمى العالمي بوفون قارب الأربعين ولايزال في أوج عطائه.. وبأن الحارس العربي حمود سلطان لعب حتى ما بعد سن الأربعين!

وهل تحدد مسمى سن الشباب من عمر كذا إلى كذا، نتيجة فقدان بعض من القوة الجسدية؟ وماذا عن القوة العقلية والفكرية؟ هل تؤخذ في الحسبان، أم أن الفيصل هو قوة العضلات؟!

بعض من أعرفهم على وشك أن يطرقوا أبواب ربيعهم الخمسين، وفي جعبتهم كمية مهولة من المعلومات عن أحدث التقنيات، بل في جميع المجالات، وما سيحمله الغد من تحديات تستوجب حلولاً مبتكرة، ذات خبرة مكتسبة من تجارب ومعارف طورت على مر السنين، ألن يحبط مثل هؤلاء حينما يسمعون عن إعلان للاشتراك في مؤتمر لصناعة الغد، يشترط على المتقدم له ألا يزيد عمره على 35 عاماً، كأنهم بهذا الشرط أحيلوا للتقاعد، وتم إقصاؤهم بشكل متعمد!

أقولها عن قناعة كاملة: اعلموا يا من ولدتم في السبعينات من القرن الماضي، أنكم شهدتم ما لم يشهده أحد.. تلك المحطات الأرضية، و«الأرايل» فوق المنزل، هواتف الجوال والبليب، اللعب في الفرجان حفاة، لعبة القحيف للبنات، فلونه، لولو الصغيرة، حرب الخليج، الهجوم الكيماوي، وإغلاق النوافذ بلصق «التيب»، لقد عاصرتم التطور من التلفاز الضخم إلى نظام LCD.. من المسجل والراديو إلى IPod.. من الكاسيت إلى الـUSB.. من الرسائل والمجلات إلى «واتس آب» و«إنستغرام» و«فيس بوك»، ومن الـVHS إلى النت فلكس والشو بوكس.. من سيارة البونوفيل أو «بونبيل»، إلى G55 من أرقام الهاتف السداسية إلى التساعية.. من الأميرتال إلى الاتصالات.. من الغرير إلى دبي مول، ومن سندباد إلى دبي باركس.. من الجمعة وحدها إلى الخميس والجمعة، إلى الجمعة والسبت كإجازة أسبوعية!

وعليه أطالب كل الجهات المعنية بأن تطلب جيل وأبناء السبعينات في كل إعلان للشباب من سن كذا إلى كذا.. ارفع رأسك يا ابن السبعينات فأنت في قاموسي شاب، ولن يستغني عنك مجتمعك أبداً.. إن سمعت ورأيت إعلاناً يطلب شباباً من سن لا تشملك، فلا تحزن، واعلم أنك مررت بمراحل وحقب لن يراها ولم يجربها غيرك، وأن الأفضل لايزال موجوداً بداخلك، وسيحين وقته قريباً.. بل قريباً جداً!

انتهت رسالة صديقي العزيز المتأثر جداً بتحديد مرحلة الشباب بسن معينة، لكنني أتفق معه تماماً في ضرورة التفريق بين الشباب كسنوات عمر، والشباب كنهج وأسلوب تفكير وحيوية دائمة، فليس كل شخص لم يبلغ الثلاثين هو أكثر فائدة وإنتاجاً وإبداعاً من كل من تجاوز الخمسين، مخطئ من يعتقد ذلك!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر