5 دقائق

الوحدة والبقاء وحيداً

عبدالله القمزي

عندما أجلس عادة مع أصدقاء ألاحظ نوعين من البشر: الأول يشكو كثرة العلاقات ويتمنى أن يهدأ هاتفه قليلاً حتى يتمكن من الاسترخاء، والثاني يشكو قلة العلاقات ويقول إنه يعاني الوحدة رغم أنه ليس وحيداً. في موضوع الوحدة فإن البشر بطبيعتهم نوعان: الأول يستمد طاقته من العلاقات الاجتماعية ويستنزفها عندما يكون وحيداً، والنوع الثاني بعكس الأول.

المرضى في المستشفيات ليسوا وحيدين أبداً، ويتمتعون بدعم كل الطاقم الطبي، لكنهم رغم ذلك يشعرون بالوحدة.

إن نظرنا إلى الوحدة من وجهات نظر شريحة من الناس فسنجد إجابات مختلفة جداً ومثيرة للاهتمام، خصوصاً أن العيش وحيداً أو البقاء وحيداً معظم الوقت ليس له أي علاقة بحجم الشبكة الاجتماعية الموجودة حول أي شخص. مثلاً، المرضى في المستشفيات ليسوا وحيدين أبداً، ويتمتعون بدعم كل الطاقم الطبي، لكنهم رغم ذلك يشعرون بالوحدة.

إذا نظرنا إلى المجتمع الرقمي فسنجد أن الإنترنت زادت من حجم التواصل (فيس بوك)، لكن عند تفقد الرسائل النصية عبر تلك المنصة والبريد الإلكتروني في وجود عائلتك فإنها لا تشعرك بالضرورة بأنك دخلت في علاقات اجتماعية، وإذا نظرنا إلى حالات التظاهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي فسنجد أن غالبية المتظاهرين يفعلون ذلك لأنهم يشعرون بالقبول، لكن ذلك لا يقلل بالضرورة من شعورهم بالوحدة.

قد نظن أن مجرد اختلاطنا بالناس سينهي الوحدة، لكن ذلك أيضاً ليس صحيحاً، لأننا نلاحظ كثيراً في المجالس والأعراس أن هناك أشخاصاً يجلسون وحدهم، لا يتحدثون مع أحد، وسبب حضورهم هو دعوة من صاحب المجلس أو العرس. بالتوازي مع ذلك، فإن الجلوس وحيداً لا يعني بالضرورة أن الشخص يعاني وحدة، ففي حالات كثيرة يكون الانعزال نتيجة قرار شخصي.

علماء الاجتماع شبهوا الشعور بالجوع بشعور الوحدة، فالأول إنذار من الجسم أنه بحاجة إلى طعام، لكن لو تناول الجائع شيئاً مرّ المذاق فسيلفظه، ولن يكمل الأكل، رغم أنه جائع، والعكس تماماً عند تناول شيء حلو. الشيء نفسه ينطبق على الشعور بالوحدة، فنحن مخلوقات اجتماعية، وعندما نقابل أشخاصاً غرباء نرفع الأقنعة ونبدأ في تفحص الوجوه لتحديد ما إن كان بإمكاننا الوثوق في أصحابها، وهي عملية تقييم موجودة عند كل إنسان.

إذا ارتكب شخصٌ ما خطأ في التقييم وعامل شخصاً كعدو، ثم اكتشف أنه صديق، فلا بأس في ذلك؛ لأن عملية تكوين العلاقات ليست سريعة، وتحتاج إلى كثير من الاختبارات والمواقف، لكن إذا ارتكب شخص خطأ وعامل شخصاً كصديق، وتبين أنه عدو، فقد يكون ثمن الغلطة باهظاً. وعبر سنوات البشرية تطورت عملية التقييم وتحولت إلى ما يعرف اليوم بالانحياز.

الوحدة لا تعني قرار شخص أن يكون أو يبقى وحيداً، الأولى حالة كاملة من الانعزال بسبب ظن الشخص أنه ليس مقبولاً، ويريد الشخص الخروج منها في أي فرصة تسنح له، بينما الثانية (البقاء وحيداً) هي قرار شخصي لتصفية الذهن ثم العودة مجدداً إلى التفاعل بين الناس، وهي عملية تحرير الشخص لذاته حتى يتمكن من مراجعة نفسه وقراراته.

ختاماً، في دراسة أجريت على مجموعة قرود، وجد العلماء أن فصل قرد عن آخر لا يعني بالضرورة عزله وشعوره بالوحدة، لكن عند عزله عن رفيقه المفضل ظهرت عليه علامات الوحدة نفسها التي نراها في البشر.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر