5 دقائق

كلنا ملوك

عادل محمد الراشد

كلما سمعنا عن «حفظ النعمة» حضرت أمامنا صور موائد الطعام العامرة، وحاويات النفايات الفائضة، ولاشك في أن هذه أكثر الصور إيلاماً، عندما نرى ما يلقى في المزابل، أجلَّكم الله، أكثر بأضعاف مما تمتلئ به البطون، ونرى ونسمع في الوجه الآخر للمشهد عن مجاعات وبلايا تركت خلفها هياكل من بشر، وأشباح طفولة، وبقايا إنسان. لكن، للنعمة وجوه أخرى كثيرة نعلمها جميعاً، وغالباً ما نرفع أيادينا للسماء راجين رب السماوات والأرض وما بينهما أن يحفظ هذه النعم، ويديمها علينا وعلى الناس أجمعين، ثم نعود إلى ممارسة عاداتنا في «رفس» النعم، في طعامنا وثيابنا وأثاثنا ومركبنا وسفرنا وحضرنا، حتى في صحة أبداننا وسلامة عيالنا.

• حفظ النعمة سلوك مبني على قناعات، والقناعات تشكّل في مجموعها ثقافة، تكون النتيجة فيها نمط حياة.

حفظ النعمة سلوك مبني على قناعات، والقناعات تشكل في مجموعها ثقافة، تكون النتيجة فيها نمط حياة. والنمط الذي يسير عليه أغلبنا يتعاكس مع مفهوم حفظ النعمة، وربما لم يمر على المقولة الشهيرة «اخشوشنوا، فإن النعم زوالة». فلين الحياة التي نحياها جعل مثل هذا المفهوم كأنه دعوة مضادة لقوله تعالى «وأما بنعمة ربك فحدّث»، وكأن من قال وطبق الأولى، لم يكن يفهم الثانية.

ولائمنا صارت، إن لم تكن تنوء بها الموائد، وتضيق بها المفارش، فإنها نقيصة وعيب كبير، وبيوتنا إذا لم تناطح من حولها وتزايد على بيوت الجيران وذوي القربى، فإنها غير لائقة، وسياراتنا أصبحت هي مؤشر مكانتنا الاجتماعية، وسفرنا إما على درجة رجال الأعمال وما فوقها، وفي فنادق النجوم الخمس وما زاد وإلا بلاه. وأطفالنا تحولوا إلى معارض متنقلة للعلامات التجارية الفاخرة لزوم التفاخر بيننا. وزدنا على ذلك الأرقام المميزة، أرقام السيارات وأرقام الهواتف حتى جوازات السفر والحسابات المصرفية، وجعلناها إضافة مهمة لوجاهتنا في من حولنا والبعيد الذي يصادفنا.

يروى أن رجلاً من المسلمين دخل على أمير المؤمنين عمر ــ رضي الله عنه ــ طالباً منه أن يصرف له مالاً من بيت المال، فسأله عمر إن كان عنده قوت يومه، فأجاب الرجل بنعم، وإن كان عنده دار يسكنها، فرد بالإيجاب. فقال الخليفة أنت إذن غني. فأضاف الرجل « وعندي خادم يا أمير المؤمنين». فقال عمر: بل أنت ملك!

أترك التعليق لكم.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر