كرة قلم

هل تشبه الكرة السعودية الإيطالية؟

حسن الجسمي

في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، انتقل التوبيلي من الإنتر إلى يوفنتوس، براتب يعادل مليوني يورو حالياً، بعدها قامت الدنيا ولم تقعد في إيطاليا، أغلبهم كان يقول: هناك دعم من الرئيس ومسيري النادي، ما المانع إذا؟ «الفلوس فلوسنا، وحتى لو رميناها في البحر».

إن أخذت من الكرة الإيطالية العبرة، ستعود أقوى وأكثر تماسكاً.

في خبايا التاريخ لنا عبرة، ولنا من الواقع فكرة، لا أعلم، فكلما قرأت عن ديون الكرة السعودية تخطر ببالي أزمة الكرة الإيطالية، التي كانت يوماً ما «جنة كرة القدم»، لتصبح الآن عبارة عن دوري يسرح ويمرح فيه يوفنتوس، الذي فكر بطريقة مغايرة عن البقية.

قد يسأل أحدهم ما وجه الشبه بين الكرة الإيطالية والسعودية، ولماذا هذه المقارنة؟ الجواب لمن يتذكر ويقرأ في تاريخ اللعبة يرى أن الكرتين مرتا بالظروف الاقتصادية نفسها، فإيطاليا قبل الجميع حصلت أنديتها على ملايين الليرات آنذاك من حقوق البث، وتحديداً في منتصف التسعينات ولم تستثمرها في شيء، سوى في تحدٍ ومبارزات مالية لشراء اللاعبين، لدرجة أن فريقاً مثل باري كان ينافس قطبي ميلان، ويخطف منهما لاعبين، وفريقاً مثل بارما، الذي كان يجوب أوروبا وأميركا ويشتري اللاعبين «بطناخه» بلا هدف أو على الأقل بناء ملعب خاص بالفريق، بدلاً من ملاعب البلديات، أو أكاديميات تفرخ وتصنع النجوم، كما فعلت ألمانيا، حتى جر الزمن والأزمات المالية نادي بارما إلى المجهول، وتم بيع النادي وكؤوسه في مزاد علني، وإسقاطه إلى الدرجات الدنيا، رغم أنف التاريخ!

أيضاً لم أجب حتى الآن ما وجه الشبه بين الكرتين؟ في إيطاليا كانوا ينتظرون أن يأتي بيرلسكوني بالمال في بداية الصيف أو عائلة إنيللي في يوفنتوس لشراء النجوم، أما في أندية أخرى كانت هناك مجموعة داعمين يدفعون للنادي في أزماته، ويختلفون على الكرسي في نهاية حقبة الرئيس، بحجة «أنا دفعت أكثر، إذاً أنا الرئيس».

تصاعدت حدة المنافسة الاقتصادية الكروية، وزادت تكاليف اللاعبين والمدربين، وضربت العالم أزمة اقتصادية كشفت لنا مدى التماسك الاقتصادي لبعض الدول، حتى أننا شاهدنا دولاً تأثرت بذلك، فكيف لرجال أعمال يريدون الشهرة من وراء كرة القدم.

ظلت إيطاليا تتفرج، فهي لا تملك سوى مبالغ حقوق النقل ومداخيل بسيطة يوم المباراة، وتضاءل عدد الداعمين من رجال أعمال أصبحوا في ورطة مع ديونهم ومشكلاتهم الخاصة، ومعظمهم أصبحوا يفكرون 1000 مرة، قبل أن يضعوا يورو واحداً في الأندية التي يحبونها.

إذاً لا داعمين ولا مداخيل استثمارية ولا استثمار طويل الأمد، كما فعل الأرسنال على سبيل المثال، الذي حول النادي إلى شركة قابضة متنوعة الاقتصاد.

ماذا حدث بعد ذلك؟ سقطت الكرة الإيطالية اقتصادياً، ولم يعد بمقدورها منافسة من خطط وصنع كألمانيا وإنجلترا وإسبانيا، لم تحسن استخدام المال الذي أتى بسرعة وذهب أسرع، صرفوه في اللاعبين، وليس في الاستثمار البشري، وإيجاد موارد اقتصادية مستدامة.

الجواب عن وجه الشبه بين الكرتين ليس عندي! إنما عند مسيري اللعبة في السعودية، كيف لم يتم استثمار مليار دولار على سبيل المثال، الذي جنته الأندية من حقوق النقل التلفزيوني؟ لماذا تم دفع مبالغ طائلة ومضاربات إعلامية وفرد عضلات إدارية في لاعبين لم يقدموا لأنديتهم وللمنتخب ربع ما دفع فيهم؟ أين الاستثمارات طويلة الأمد؟ هل الداعمون الشرفيون سيبقون للأبد يدفعون للديون وشراء اللاعبين؟

الآن في نظري، وبعد إخفاق الأندية السعودية، وخروجها من دوري أبطال آسيا، وظهور الديون علناً، واستقالة بعض الرؤساء، تعتبر في نظري الخطوة الأولى في طريق الإصلاح، لأن الجميع أيقن أنه من الصعب جداً الاعتماد على أشخاص في تسيير اللعبة، وأن ما تم دفعه في اللاعبين، الذين صورهم الإعلام نجوماً كان خطأ جسيماً، لذلك هذا العام سيكون عاماً تاريخياً في الكرة السعودية، وستتحول فيه الأندية من البذخ إلى التفكير والتأني والاستثمار، ربما تكون سنين عجافاً، لكنها إن أخذت من الكرة الإيطالية العبرة، ودرست سبب سقوطها، فإنها ستعود أقوى وأكثر تماسكاً.

كلمة أخيرة:

الكرة السعودية، هي كرة الخليج وآسيا الممتعة والمثيرة، عودتها إثراء لكرة القدم في آسيا والمنطقة.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر