5 دقائق

شيبان وشباب

عادل محمد الراشد

نسمع كثيراً عن إدمان اليابانيين للعمل، والتزام الألمان بالانضباط، وحب الإنجليز للنظام، واحترام أولئك وغيرهم من شعوب الدول المتقدمة للوقت، ونعتقد بعكس كل ذلك عندنا.. قلة في الإنتاج وضعف في الانضباط وجفاء مع النظام، ثم نعيد ذلك إلى «الثقافة»، وكأننا قد ورثنا ثقافة الكسل وحب الفوضى ومعاداة النظام.

ستيني أحيل إلى التقاعد من وظيفته، ولما أحس بعدم انسجامه مع المفهوم المتداول للتقاعد واصل حياته العملية متطوعاً في إحدى جمعيات النفع العام، وأصبح «الدينامو» المحرك لفعاليات وأنشطة هذه الجمعية بساعات عمل تتجاوز ساعات الدوام الرسمي أحياناً. هذا المواطن لايزال يقوم بترتيب فراشه بعد أن يستيقظ من نومه مبكراً دون أن ينتظر الخادمة، ويقوم بكي ملابسه بنفسه، ويحرص على قضاء معظم حاجاته الشخصية والعائلية بعيداً عن السائق والسكرتير، ويعتبر الوقت سيفاً مسلطاً إن لم تقطعه قطعك، وينظر إلى النظام على أنه «كتالوج» الحياة.

• «نقول دائماً إن البداية من البيت، ولكن الواقع يقول إن البيوت غارقة في تسليم زمام معظم أمورها ومسؤولياتها الأسرية إلى الخدم والسائقين ومطاعم الوجبات السريعة».

هذا الرجل ليس حالة خاصة بين أفراد جيله، ذلك الجيل الذي نشأ في بيوت خالية من الخدم والسائقين والطباخين، وعايش كدح الأب لتوفير أسباب الحياة، ودور الأم في التربية وزرع القيم، وشراكة الأبناء والبنات في تحمل مسؤولية إدارة الحياة داخل الأسرة. ومنها تكونت الثقافة الإيجابية ونشأت الروح المسؤولة وتشكل الوعي بمفاهيم الحركة في الحياة ومعنى الانضباط واحترام الأنظمة وتقدير الوقت.

ليس استحضاراً لصراع الأجيال وبكاء على اللبن المسكوب ولا اجتراراً للماضي، ولكنه واقع يكاد الجميع يتحدث عنه بلا جهد عملي واضح ومحسوس، إلا من بعض المؤسسات، لوقف طوفان الترف الاجتماعي الذي جعل ثقافة الاعتماد على «الفئات المساعدة» في البيت والوظيفة للقيام بالمهام بديلاً للاعتماد على النفس، إلى درجة وصلت إلى أداء المهام المدرسية من بحوث ومشروعات ودروس خصوصية اعتماداً على مبدأ «ادفع وعش ملكاً». وهذا ليس حكماً مطلقاً ولا هي محصورة في «المواطن»، ولكنها حالة تكاد تكون عامة يمكن مشاهدتها ببساطة على أرضيات الحدائق بعد انتهاء كل ليلة عطلة نهاية الأسبوع.

نقول دائماً إن البداية من البيت، ولكن الواقع يقول إن البيوت غارقة في تسليم زمام معظم أمورها ومسؤولياتها الأسرية إلى الخدم والسائقين والطباخين ومطاعم الوجبات السريعة، فمعظم آباء وأمهات اليوم هم وهن نتاج مرحلة الطفرة المادية، وبالتالي لا يرون في هذا النمط أي غرابة، وربما يرون ما كان عليه آباؤهم وأمهاتهم هو الغريب الآن.

وهذا يعني الحاجة إلى إعادة صياغة فكر أرباب الأسر. والتعويل يكون أكثر في بناء وعي الصغار على المدرسة التي تخلت عن الكثير من دورها التربوي باسم التطوير التعليمي، وهي اليوم بحاجة إلى إعادة هيكلة لمفهومها في إعداد الخريجين.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر