أبواب

ملتقيات للحديث

سلطان العميمي

في ظل إقامة العديد من الملتقيات والمؤتمرات التراثية السنوية ضمن أنشطة بعض المؤسسات الثقافية في دولة الإمارات في السنوات العشر الأخيرة، تدور في البال أسئلة عديدة حول جدوى مثل هذه الفعاليات التي يُفترض أن تنظم لأجل مناقشة قضايا ثقافية محلية، وإبرازها إلى العلن، والاستفادة من الأبحاث المقدمة فيها.

هل يبدو الحكم قاسياً حين نقول إن بعض الملتقيات التراثية تقام من باب أداء الواجب؟ وهل يبدو الأمر بغير ذلك حين يُنْشَرُ خبر صحافي - مرفق معه صورة - عن إقامة ملتقى أو مؤتمر تراثي حول قضية محلية، بمشاركة باحثين قدموا أوراقاً بحثية بعناوين لافتة، وخرجوا بتوصيات مهمة، دون أن يعلم عنهم أحد؟

ورغم أنه لم يعد في جانب التوصيات في أغلب هذه الملتقيات ما يثير الاهتمام، لأن الحديث عن مدى جدواها صار أشبه بالحديث عن جدوى القلق الذي يبديه أمين عام الأمم المتحدة حول حدوث أزمة سياسية ما، إلا أن هناك جوانب أخرى في مثل هذه الملتقيات أصبحت تشكل أكثر من علامة استفهام، منها أن أغلب المشاركين فيها من الخارج، ويأتون محمّلين بأوراق بحثية تنظيرية عامة جداً حول مسائل التراث والشفاهة والتاريخ، يلقونها على بعضهم بعضاً، بمقدمات وخواتيم شهيرة، مثل: إن التراث مهم، والروايات الشفاهية مهمة، والتاريخ الشفاهي مهم، ولابد من الاهتمام بهم أكثر. ثم يعودون إلى ديارهم محملين بعبارات شكر من القائمين على المؤتمر وشهادة تقدير. وفي اليوم التالي تنشر الصحف أخباراً عن الملتقى وضيوفه والأبحاث التي قدمت فيه، ثم يصدر عن المؤسسة المستضيفة كتاباً فخماً في نهاية السنة، يضم صور المحاضرين والضيوف، وتكريمهم، كي لا يقول أحد إن المؤسسة لا تعمل أو لم تنتج شيئاً خلال السنة.

• هل يبدو الحكم قاسياً حين نقول إن بعض الملتقيات التراثية تقام من باب أداء الواجب؟ وهل يبدو الأمر بغير ذلك حين يُنْشَرُ خبر صحافي - مرفق معه صورة - عن إقامة ملتقى أو مؤتمر تراثي حول قضية محلية، بمشاركة باحثين قدموا أوراقاً بحثية بعناوين لافتة، وخرجوا بتوصيات مهمة، دون أن يعلم عنهم أحد؟

الغريب، في الوقت نفسه، أن أغلب هذه الملتقيات يردد المشاركون فيها حديثاً مفاده أنه لا توجد هناك دراسات حقيقية أو اهتمام حقيقي وفعلي بالتراث والتاريخ الشفاهي، وأرى أنهم بمثل هذه العبارة يدينون الجهات التي دعتهم، لأنه لا يفترض أن يهتم أو ينجز مثل هذه الدراسات والأبحاث إلا الجهات الثقافية الداعية لهم.

وهكذا، تتكرر هذه الفعاليات سنوياً على الشاكلة نفسها، وبالوجوه نفسها تقريباً، ويخرجون بالتوصيات نفسها تقريباً، وتصدر عنها الكتب التوثيقية الأرشيفية نفسها تقريباً.

ويبقى السؤال الأهم الذي يبحث عن إجابة بعد كل هذه السنوات من تكرار الملتقيات نفسها: أين النتاج الحقيقي الذي أفرزته؟ وأين التقدم الحقيقي الذي حققته في شأن القضايا التي تجمّع الباحثون لمناقشتها؟ وأين استفادة الجمهور وبقية الباحثين من مثل هذه الملتقيات التي يفاجؤون بأنها أقيمت وانتهت ولم يعلم بها أحد إلا الضيوف المدعوون لها، والقائمون عليها، ووسائل الإعلام المدعوة لحضورها وتغطيتها؟

إنه لأمر محزن حين نعلم أن الأبحاث المتخصصة والأكاديمية الصادرة سنوياً في قضايا التاريخ المحلي والتراث قليلة جداً، ولو أن نصف المبالغ الكبيرة التي تصرف سنوياً على مثل هذه الملتقيات، خصصت لدعم مشروعات بحثية جادة، لوجدنا حراكاً حقيقياً لخدمة ثقافتنا المحلية وتاريخ الدولة وتراثها الأصيل.

buamim@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر