أبواب

قصة النبي يوسف وخيال الأطفال

ريم الكمالي

مبكرٌ جداً أن نُعلّم أطفالنا قصة النبي يوسف - عليه السلام - المقررة في منهاج التربية الإسلامية للصف الثالث الابتدائي، وهم لم يتجاوزوا الثامنة من عمرهم بعد، إذا كيف نُفهم أطفالاً بهذا العمر معنى الإغواء؟ أو كيف يفهمون دعوة زليخة صديقاتها لرؤية حُسنِ النبي يوسف، تراهنهن على عدم لومها في عشقه إن أبصرنه، وهن مدعوات على مائدتها، بعد جرح أياديهن بسكين الفاكهة وهم مأخوذات ومندهشات من كل هذه الوسامة.. مُبررة امرأة العزيز أمامهن محاولة إغوائها له وخيانة زوجها.

• ليت القائمين على خطة إعداد المنهاج في وزارة التربية، يلتفتوا لهذه المسألة الجوهرية، وكلنا ثقة بحرصهم على أطفالنا الذين هم مادة المستقبل في الوطن الحبيب.

أتساءل كيف لهذا التلميذ البريء أن يتلقى في المنهج فكرة إغواء زليخة ليوسف، وكلمة إغواء مصاحبة للفهم بشرح حرج للمعلم والأسرة، وصعوبة الاستيعاب من قِبل أطفال صغار؟

كيف نصل بالصغار لجواب مُقنع عن الكذب الذي صدر من إخوة يوسف لأبيهم في إحضار ذلك القميص الدامي؟ ثم كيف لأبيهم يعقوب - عليه السلام - أن يُفضل ابنه يوسف عليهم، وهم جميعاً أخوة بكل حال، لا لصوص أو أعداء؟ وبماذا نُجيب الأطفال حين يسألون: لِمَ لَمْ يُنصف والد يوسف بمشاعره بين أبنائه؟ وهل الأخ يرمي أخاه غدراً في بئر مظلم ليقتله؟ يُكمل الطفل تساؤله: وماذا لو أحب والداي أخي أكثر مني، هل أرميه من النافذة؟

كيف نشرح لأطفال دون الثامنة كذب الأخوة وبشكل دراماتيكي محزن على أبيهم بأن الذئب قد أكله؟ يحضرون قميصه الدامي إليه، لتتأثر عواطف هذا الطفل وفي هذا العمر الشديد الحساسية في تحصيله، بمدى هذا المكر بين الأخوة، إنها صدمة ليست ببسيطة على صغارنا، وليس من حقنا أن نُقلل من عمق استشعاره وإحساسه.

من الواجب أن نُحببهم في الدين ونُرغبُهم فيه، أو بثّ روح المحبة فيهم وتكريس مفاهيم الثقافة والتسامح عبر اطلاعهم على روايات وقصص وأشعار هادفة، لتسكن هذه الآداب خيالاتهم، وتقوّم سلوكهم بالشكل الصحيح، وبعد وقت لاحق ليس قبل سن النضج نذهب إلى تعريفهم بما يلائمهم كدارسين في عُمرٍ أكثر جاهزية لتلقي مفاهيم بحاجة إلى وعي أكبر، لأن الأطفال يقتبسون ما يتم تعريفهم وتلقينهم وتحفيظهم إياه بكل حواسهم.. لا أن نُقدم لهم ما يفوق تخيلهم أو تصورهم، ونحن نُفسر عادة معنى الغيرة للطفل بأنه القلق البائس الذي يجعل الإنسان خائفاً من ميل من نحب إلى آخر يشاركنا الحب فيه، وما يعرفه الطفل ويفهمه أن الحب حي في قلبه لا يفيض إلا وداً ودلالاً.

من المؤكد أن هناك قصصاً للأنبياء يجب أن تُرحل إلى المراحل المتقدمة للفصول المدرسية، لتتلاءم مع وعي أبناء هذه المراحل بانتقائية وعلمية عالية، مع الأخذ في الاعتبار أن ليس كل قصص الأنبياء غير ملائمة كدروسٍ تربوية هادفة للأطفال، فقصة النبي سليمان وحديثه مع النمل والحيوانات تُنضج خيال الطفل وتُوسع مداركه، كما أن جماليات الأحداث تعزز رؤيته.

الطفل منذ سنواته الأولى يتعلم الرغائب والحب والإيمان مع الله عز وجل المتسامح دائماً في عيونهم وإن كانوا على خطأ، الذي عقابه مدة دقائق تناسب عمره.. لذا يتدرج تعليمه بالتدرج مع فكره ومنطقه.

وبودٍّ شديد نقول: ليت القائمين على خطة إعداد المنهاج التربوية في الوزارة المعنية، يلتفتوا لهذه المسألة الجوهرية، وكلنا ثقة بحرصهم على أطفالنا الذين هم مادة المستقبل في الوطن الحبيب.

فرفقاً بمفاهيمهم ومشاعرهم.

Reemalkamali@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها . 

تويتر