أبواب

غربة الأثر العربي في متاحف تركيا

ريم الكمالي

زيارة المتاحف في العالم ليست معرفية بقدر ما تمنحك تصوّراً عن شعور الآخر تجاهك، نظرته، رؤيته إليك.. طوال تاريخه. كيف يراك الآخر بعد أن توارث نظرتهُ واختزلها ناحيتك منذ أجداده، ليس كما المتحف يُخزن ويُوثق الأثر وفكره المادي وبترتيب زمني لتراث هذا الإنسان وتاريخه وأدواته وأحداث أرضه.

بعد زيارتي للمتحف التركي الإسلامي في اسطنبول، والمُشرف بإطلالته الجميلة على ساحة السلطان أحمد، استوقفتني الشروح المصاحبة للمقتنيات، إذ إن الأتراك لا ينسبونها إلى أصلها العربي، ولا أحد ينكر أن الدول العربية كانت تحت سيطرة الدولة العثمانية، لذا فالمقتنيات عربية إسلامية، لا إسلامية فقط. وقليلة هي المقتنيات الانكشارية أو السلجوقية المعروضة، ولم يغفل الأتراك ذكر أسمائهم وأصولهم على أدواتهم الثمينة، مُعرّفين بأنها لعسكر الانكشارية، رغم أنهم كانوا جنوداً ينتمون إلى الدولة العثمانية الإسلامية ذاتها.

• معظم مقتنيات المتحف وما يُعرض فيه عربي، الخطوط عربية، الحرفيون والصانعون عرب، النقوش والمواد من أرض العرب، الدمشقية والبغدادية والمصرية والمغربية والجزائرية، علاوة على المقتنيات المكيّة، التي نقلها العثمانيون، لتسوق الآن على أنها تركية إسلامية الملمح، لا عربية.

بينما معظم مقتنيات المتحف وما يُعرض فيه هو عربي، الخطوط المكتوبة كلها عربية، الحرفيون والصانعون بأسمائهم هم عرب وبأديانهم المختلفة، النقوش والحروف والمواد كلها أتت من أرض العرب، سواء الدمشقية منها أو البغدادية في فن الخط العربي القائم على مصاحف تعود إلى عهودها الأموية والعباسية، والمنحوتات الخشبية الفائقة في جودة حفرها ودقتها من أعمدة ونوافذ وقناديل وأوانٍ نحاسية وفخاريات مميزة وأحجار منحوتة، ناهيك عن المقتنيات الفنية المصرية والمغربية والجزائرية الفائقة في جمالها، إضافة إلى المقتنيات المكيّة في جميع مراحلها السياسية والتاريخية، من باب الكعبة وسجادات وأقمشة وأقفال وأدوات زينة لا حصر لها، إلى مصحف سيدنا عثمان. تم نقلها كلها من المدن العربية شرقاً وغرباً، وجعلتها كنزاً في دُورها وحضارة تُحسب لها، دون أن ننكر مساهمة دولة تركيا في الحفاظ عليها، وهي الآن تسوّقها للسياحة العالمية بأنها تركية إسلامية الملمح، لكن دون الإشارة إلى أنها عربية.

هذا لا يعني أن المتحف خالٍ من المقتنيات العثمانية، وهي مهمة وثمينة، لكنها تبقى قليلة، وتنحصر في فرمانات ومخطوطات وخرائط وكتب عمرها ثلاثة قرون فقط مقارنة بما سبق.

لستُ متحاملة، لكن ما يؤلمني أيضاً أن معظم ما قرأت من الأدب التركي يطعن في الأصل العربي، ويضع العرب في خانة الأقوام التي تتخذ من الاستجداء مهنة لها، الأمر ذاته الذي ينسحب على النظرة الفارسية الدونية للعرب، التي تقوم على الحط من شأن العرب بوصفهم بدواً وأهل صحراء لا يفقهون شيئاً، متجاهلين فضل العرب والثقافة العربية عليهم.

ولعل ثمة ملمحاً منصفاً للعرب في الأدب التركي، أورده الروائي التركي الفائز بنوبل أورهان باموق، إذ لامَ تركيا على هذا النكران لتاريخهم مع الحروف العربية والمستخدمة منذ قرون، إن هذا الاستعلاء القومي يجب ألا يكون لهُ شأن في الثقافة والمعرفة، فهما يتفوقان في عمقهما وصدقهما، بعيداً عن النكران الذي قد يتخلل النفس والفكر.

وإن كانت تركيا قد سادت وحكمت المنطقة العربية في زمن ما، فإن هذا الأمر لا يمنحها الحق في اقتراف هذه التعمية التاريخية والثقافية، فقد أفادت تركيا من الحرف العربي الذي أطلت عليه من شرفة الدين الإسلامي الذي حكمت به، وتحوّلها العلماني لا يبرر لها أن تلغي كل ما هو قائم في تاريخها إلغاءً لا يُفسر إلا بأنهُ استعلاء قومي لا ينتمي إلى الثقافة الإنسانية بحال.

Reemalkamali@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر