5 دقائق

التقليعات الشاذة من يشجعها؟

سعيد المقبالي

ربما سينتقدني البعض لمجرد طرحي هذا الموضوع، ﻷنه وبحسب الخبراء لم يصل إلى مستوى الظاهرة في مجتمعنا، ونتمنى ألا يصبح ظاهرة، صحيح أننا لو بحثنا عن الإحصاءات والدراسات والرصد الميداني فلن نجد أي دراسة أو إحصائية رسمية، ترصد التقليعات الشاذة في مجتمع الإمارات، لكنني أتكلم هنا بناء على الخوف الذي يخالجني فقط، ومخاوف المحبين لهذا المجتمع.

فلم تعد المصطلحات والتسميات الغريبة للتقليعات الغربية موقع استغراب لدى الكثيرين، فمواقع التواصل الاجتماعي نقلت المعرفة حولها، وثقفت الجميع بأسرارها، والمتلقين إما انتبهوا إلى هذه التقليعات ومعانيها فاستقبحوها واتقوا أن يقعوا فيها، أو كان لبعضهم موقف آخر؛ فاستحسنوها وتسابقوا في تبنيها وتقليدها، أو شجعوا عليها بطريقة أو بأخرى.

«عبدة الشيطان»، «الإيمو»، وغيرهما من التسميات التي هي في الواقع ليست مجرد لباس غريب وشكل مستهجن، بل هي فكر ضال، لا يأبه لدين ولا لأخلاق، ولا لعرف اجتماعي، فبعضها من اسمه يتضح قبحه، فمن ذا السليم عقلياً الذي سيعبد الشيطان، وهو رمز الشر في كل الحضارات؟!

أو من هو الذي سيلتحق بجماعة الإيمو، ليكون كالآلة التي تصدر الضوضاء، يفتعل الإزعاج وغريب التصرفات ليلفت أنظار الناس!

إن الدافع المشترك لدى كل من ينجر وراء هذه التقليعات هو البحث عن الذات، فالاعتلال النفسي والخواء الخلقي، وضعف الوازع الديني، تجعل من البعض جسداً بلا روح، تتقاذفه التأثيرات الخارجية، وليس لداخله من روح لها دور يذكر، فتجده بكل سهولة يتبع تقليعات مثل «عبدة الشيطان»؛ ﻷنه يظن أن ذلك سيجعله أقوى، بل سيجعله مخيفاً ومسيطراً!

إذاً المربي أو ولي اﻷمر هو أول من شجع على أن تكون روح هذا الشاب أو هذه الشابة عرضة للتخبط والانزلاق في عبادة الشيطان، عندما حرمهما اكتساب الوازع الديني، ولم يأبه لجهلهما بالأخلاق وبالقيم، فتركهما هائمة تبحث عن ذاتيهما بلا نصح أو إرشاد.

وإذا افترضنا أن ولي الأمر قد أدى دوره في زرع أبسط الأسس الدينية والأخلاقية لدى ابنه وابنته، ومن ثم سلمهم للمدرسة لتستكمل بناء أرواحهم بمناهج تعج بكل العلوم، وكانت المفاجأة أن وجد ابنه وقد عاد بسلوك شاذ وفكر منحرف من تلك البيئة التي استأمنها على فلذة كبده، وكان العذر بأنه قد خالط رفقاء السوء فجذبوه للتأسي بهم.

عذراً يا مسؤولي المدرسة، كيف لم يجد هذا الطالب في شخصيات الهيئة الإدارية والتدريسية قدوة أو ناصحاً، أو داعماً له لبناء شخصيته؟!

كيف تنمو في الأساس لدى طلاب المدرسة كمجموعاتٍ أفكار ظلامية، وتضم لها أعضاء جدداً داخل سور المدرسة؟!

فيا أيها التربوي الفاضل إن ظهرت في مدرستك وبين طلابك هذه الأفكار والتصرفات واستفحلت فتأكد أنك قد شجعتها؛ ﻷنك قصرت في بناء شخصيات طلابك، ولم تنجح في استقطاب طاقاتهم.

وإذا انتقلنا للمشجع الثالث وهو الأخطر، وللأسف فإن صناعه والقائمين عليه يعلمون مدى خطورته، وعلى الرغم من ذلك نجد أن «الإعلام» يبرز التقليعات الشاذة كأمر مستحسن ومقبول في المجتمع، بل وتقدم قنواته للجمهور نماذج من أصحاب التقليعات كأبطال ومشاهير وقدوات ينجر خلفها النشء ويبدأ بتقليدها في كل شيء، ويتشرب ثقافتها حتى تصبح منهجه في الحياة وطريقته المثلى.

أما المشجع الأخير بالغ الخطورة، فهو «نحن» نحن الأفراد في المجتمع، نحن الأهل والأقارب في العائلة، نحن الجمهور في الفعاليات والمناسبات وأمام شاشات التلفاز، نحن الأصدقاء، نحن رواد الفضاء الإلكتروني.

نحن المشجعون والداعمون الأقوى، في حال اعتبرنا الأمر عادياً وتعايشنا معه، وابتسمنا لأصحاب التقليعات فظنوا أننا معجبون.ربما يتساءل القارئ: وما هو الحل؟

الحل أولاً في الوعي بخطورة المشكلة لدى الأفراد والمؤسسات، ثم تفعيل دور المؤسسات المعنية؛ فدولتنا ولله الحمد لم تترك مجالاً إلا وأولت مسؤوليته إلى وزارة أو دائرة أو هيئة أو مؤسسة، فإن تركنا القضايا دون ملاحظة وقياس ومراقبة وضبط، فإننا سنغرق في تداعياتها، وسيكون الخروج منها صعباً ومكلفاً لأبعد الحدود.

وأخيراً..

التقليعات الشاذة ليست مجرد شكل ولباس وتصرفات مستوردة من الشارع الغربي، بل هي فكر اللامبالاة بالحياة، وليس أسهل على صاحب هذا الفكر من إنهاء حياته بيده، لينال المجد الشيطاني، فانتبهوا لأبنائكم حتى لا تبكوهم بعد فوات الأوان!

saeed@uae.net

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر