أبواب

رواية الحرب

يوسف ضمرة

تبدأ الحرب مثل رواية تفاجئنا فنرغب في متابعة فصولها، تنتهي فننتهي من الرواية. الحرب إذاً رواية شارك في كتابتها كثيرون؛ قتلى ومنازل وأسلحة ومذياع ومستمعون وغاضبون ومندهشون وفرحون. وهنالك نقاد يفسرون ويحللون ويقيّمون. الحرب نَص، وقراءته تحتاج إلى قارئ متمرس قادر على الرؤية من زوايا عدة لا زاوية واحدة.

في الحرب دهشة، ومشاعر تلاحق شخصيات دون غيرها أو أكثر من غيرها في الأقل. وللحرب خاتمة قد تعجبنا كقراء وقد لا تعجبنا، قد يحبها البعض ويكرهها البعض الآخر. والخاتمة دائماً تفرض نفسها على المؤلف، وهي تفرض نفسها على المتحاربين، لا أحد منهم يختار الخاتمة التي رسمها من قبل. سيقبل بما تمليه وقائع الرواية وشخوصها وتداعياتها التي لم تكن موجودة في الخطوط العريضة عند الشروع في الكتابة.

في الحرب دهشة، ومشاعر تلاحق شخصيات دون غيرها أو أكثر من غيرها في الأقل. وللحرب خاتمة قد تعجبنا كقراء وقد لا تعجبنا. قد يحبها البعض ويكرهها البعض الآخر. والخاتمة دائماً تفرض نفسها على المؤلف، وهي تفرض نفسها على المتحاربين.

الفارق بين الرواية والحرب، هو أن هنالك مؤلفاً واحداً للرواية، بينما للحرب مؤلفون. بعضهم شارك بحق في كتابتها، وبعضهم لم يشارك، لكنك لا تملك ما يكفي من القوة كي تقول له ذلك. الحرب رواية مضللة لأن لها نسختين في الأقل. تبدأ وتسير وتنتهي في كل نسخة في سياقات تختلف غالباً عن سياقات النسخة الأخرى، هذا ليس تفسيراً أو تأويلاً لرواية الحرب. هذه حقيقة، فكل طرف له نسخة من رواية الحرب، ربما يشترك الطرفان في بعض القضايا الكبرى والبارزة، لكنهما حتماً سيختلفان في كل شيء. وبهذا المعنى تصبح الروايتان التاريخيتان للفلسطينيين واليهود حول الوطن بعضاً من رواية الحرب.

سوف يجمع الطرواديون والإغريق على مسألة حصار طروادة واجتياحها، لكنهما سيختلفان في الأسباب وتفاصيل الحرب التي امتدت لسنوات. يخبرنا «هومير» أن «أخيل» ربما يكون أشجع فرسان الحرب، لكن مؤلفاً طروادياً ربما كان سيخبرنا أن هكتور هو الأكثر شجاعة.

في حرب سابقة، تساءلت: كيف نكتب غزة أدبياً؟ وأشرت إلى نقاط عدة، لكني لم أكن واثقاً تماماً من صحة ما ذكرت، ولن أكون يوماً.

الآن رداً على السؤال نفسه قبل سنوات، أستطيع الإجابة بشكل مختلف، ذلك لأن الحرب نص تختلف قراءتنا له بمرور الزمن. نصبح نحن أشخاصاً آخرين، قراء غير القراء الذين كانوا قبل سنوات. تغيرت مفاهيم؛ بعضها نضج وبعضها وجد نفسه مرتبكاً وغامضاً، كل ما يحدث لنا ومن حولنا يصلح للكتابة، والحرب أولى هذه الوقائع، بل يمكن القول إن الكتابة البشرية قد ظهرت مع بروز الحروب ونشأتها، والمأساة اليونانية قامت على الحرب، وتراجيديات شكسبير قامت على الحرب والقتل، حتى في روايات الحب تكون الحرب مخبأة في منعطف من منعطفات الرواية، مثل روميو وجولييت.

انتهت الحرب إذاً ولم تنتهِ، لأننا ندرك أن هنالك أجزاءً قادمة، فلو ظل «ياروسلاف هاشيك» حياً لكتب المزيد من حكايات الحرب الكونية الأولى. وكذلك الحال مع «ثربانتس».

ندرك أن الدنيا لا تستطيع إقناعنا بخطأ روايتنا في هذه الحرب، ولكن هذا لن يغير في سياقات الحرب نفسها، فليس للصواب والخطأ مكان في الرواية. كل ما في الأمر هو أننا وأبناءنا سنظل شهوداً ووقوداً أحياناً في رواية تخصنا وتعنينا، لكننا لسنا قادرين حتى الآن على كتابتها كما ينبغي لها أن تكون!

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر