5 دقائق

ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

مرت نحو أربع سنين على مصر العزيزة، وقاهرة المعز بالأخص، كانت عصيبة علينا ونحن خارجها ومن هو فيها أشد، وكنت أتأمل قول الله تعالى {ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين}، وأقول إن الله لا يخلف وعده، فهذه الآية من عزيز مصر – يوسف عليه السلام – لم تكن لأبويه وأهله، بل لكل من همّ الدخول إليها، فينبغي أن يكون أثرها باقياً إلى أن تقوم الساعة، فإن الأمن وإن علق فيها بالمشيئة إلا أن ذلك لم يكن استثناء، بل على سبيل التبرك كما يقول المفسرون، والمعنى أنها آمنة في نفسها ومن يدخل فيها، فذلك هو مقتضى السياق القرآني وما جرت به سنن التاريخ، فإن مصر لم تشهد خوفاً مطبقاً، ولا فتناً متلاحقة، فكان ذلك يجرؤني أن أقول إن الأمن سيستتب وستعرف مصر رفاهية الخديو والباشوات وأمن السادات، فلن أستعجل النتيجة، وحتى رأينا في الأمس القريب ما سرّ الناظر وأسعد الخاطر.

«نعم، مصر الكنانة ومصر الأزهر ومصر الفتوح ومصر الأبية لن تكون مسرحاً للأحداث ولا لغرس الفتن بين الأحداث».

نعم، مصر الكنانة ومصر الأزهر ومصر الفتوح ومصر الأبية لن تكون مسرحاً للأحداث ولا لغرس الفتن بين الأحداث، ولا مصدر قلق للقريب والبعيد، بل هي العدة والعتاد، وهي الأمل المعتاد، فلابد أن تكون في ركب الحضارة كما كانت، وأن تكون بلد السياحة العلمية والترفيهية، وأن تكون أنس المحبين وشانئة المبغضين، تلك هي مصر التي كانت وستكون، والأمم اليوم معنية بأن تشد أزرها وتقف بجانبها، فقد خلعت ربقة الاستحواذ الفكري والفكر الواحدي، وانفتحت للعلم والمعرفة الأزهرية التي شع نورها الخافقين ونفعت الثقلين، فكما بقي الأزهر شامخاً في ظل فتنة بائرة، فكذلك سيبقى أمة وحده في العالم يغذي العقول ويفتح الألباب، بعلم السنة والكتاب، وسلوك أهل الآداب، تحميه رعاية الله بيد خلقه ممن يمكن لهم الأرض ويفيء عليهم ظلال القوة تمام النعمة.

مصر ليست للمصرين من حيث المحبة والتعلق، وإن كانت لهم وطناً قومياً، إلا أن كل محبيها يعيش همومهم ويسعد لسعادتهم، فكم كانت سعادتنا كبيرة وهي تنفض غبار الفتنة وتلتحق بصف البناء والاستقرار ليتحقق وعد الله الذي لا يخلف.

نعم، مصر هي الوجهة السياحية المفضلة للقاء المحبين ورؤية الصالحين ومشاهدة الآثار ومتعة الأخبار وتلاقح الأفكار، وقد كان من فضل الله عليها أن عاد استقرارها في هذا الوقت الذي تحزم فيه الحقائب لرحلات العجائب، ففيها من عجائب الدهر وجمال الطبيعة وأنس أهلها ما يغني عن كل مشهد سواها، فلتدم مصر آمنة، ولتدم مصر حاضرة كل عربي ومسلم، ولتدم مصر الأزهر ليشع نوره من غير انطفاء.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه

تويتر