5 دقائق

الغزل والهزل

إيمان الهاشمي

منذ القدم اعتلى فن «الغزل» عرش الفنون المُرهفة حيث كان جزءاً لا يتجزأ من «الأدب» العربي الأصيل، إلى أن تساقطت أركانه المزخرفة من عيون «الأخلاق» وأصبح رمزاً أساسياً لقلة «الأدب» والانحطاط والرذيلة.

«فالغزَل العذري» هو القدرة الأدبية للتعبير عن مشاعر الإعجاب ووصف النواحي الإيجابية «شكلاً أو مضموناً» في الطرف الآخر على ألا يتعدى الخطوط الحمراء للحياء فيفقد الحياة، ولقد شهدنا أروع أنواعه على مر العصور بلسان العديد من فرسان الشِّعر، الذين يصفون أحاسيسهم بعمقٍ شديد ويتحدثون عن مواقفهم الشاعرية أو حتى العاطفية الطريفة للإفصاح عن شغفهم المكنون بكل احترام، ولقد استمرت الحال هكذا إلى أن مرت الأيام وتراكمت الشهور فوق السنوات فصدأ الكلام المعسول وأصبح ذا مذاق مر أو حامض لاذع، وقد يكون محملاً بالسم الزعاف أحياناً!

ومع تكرار «الصدمات» نجد أن «الصدى مات» فما عدنا نسمع وقع خطواته الرشيقة في قلوبنا الرقيقة كي ندندن مع أنغامه الرنانة بكل شوق، بعدما باتت عباراته تُقذف على مسامعنا مثل دوي القنابل وتعصف بأرواحنا رغماً عنا، وتبعثر فينا معاني «الحب الجميل» فتشتت انتباه «الغرائز» الدنيا عن انضباط عواطفها الجياشة، لتثور عليها حتى يصعب التفريق بين الإنسان والكائنات الأخرى.

أنا هنا لا أحاول خوض تحليل مطوّل لشرح عوامل تقويم الدين الحنيف وتأثيراته أو لفرض التشريعات الأخلاقية البديهية ضد أنواع «الغزل الصريح» الذي اشتهر في أيام الجاهلية بكثرة، لكنني فقط أتساءل كيف يتقدم «البعض» في كل شيء ويرتقي في جميع مجالات أمور حياته بينما يتخلّف عصوراً ليعود بأسلوبه إلى ما قبل الإسلام؟!

إن جمال الغزل الحقيقي يكمن في حيائه وفي مهاراته المتميزة لاستخدام الألفاظ الأكثر ملامسة للفؤاد، من دون اللجوء لمخالب حروفٍ وقحة تخدش جدران «الحب» وتزيل عنه المرايا؛ ليعكس صورة قلب مكسور.

لذلك أود أن أؤكد على وجود خيط رفيع جداً بين الغزل والهزل!

eman.alhashimi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .

تويتر