5 دقائق

أنا مشـــ (غول)

إيمان الهاشمي

انشغلت حياتنا والكل في ظــروفه انشغـَــلْ *** والقلب شاغرٌ والعقل دائماً في انشـــغالْ

صارت سنينا سجناً والعمر تكبّد واشتغـَــلْ *** ينـفـّـذ حكماً مدى الحيـــاةِ مع الأشـــغالْ

وبانشغالنا.. اختـلط المشتَغِـــل بالمشتَغـَــلْ *** والكل قال: أنا مشغولٌ أو كثير الشِّـــغالْ

متى زادت مشاغلنا لدرجة انشغالنا التام عن معاني الحياة الأخرى؟ ولماذا فقدنا الإحساس بالأمور الصغيرة التي كانت تعمل عمل ذرات الملح في جزيئات الطعام؟ وما أولوياتنا الدنيوية البسيطة؟ وكيف نديرها بحسب أهميتها أو ننسق بينها بنجاح؟ وهل تختصر التكنولوجيا الوقت والجهد حقاً؟ أم أنها تزيد من حجم الثغرات بيننا؟ لست أدري!

أحياناً تكون ضغوط الحياة أقسى من أن تجعلنا نتحكم في أنفسنا بشكل كامل؛ وكأنها قيود من سلاسل فولاذية خفية تكبل حريتنا وتؤثر في اختياراتنا في زمنٍ اتصف بالسرعة الجنونية لمواكبة العصر السريع الذي لازلنا نجهل متى بدأ سباقه بالضبط، فتجدنا لا ندرك كيف انهمرنا منكبين على ذلك «الروتين» الذي يزيح عنا ببطء شديد جميع التفاصيل الدقيقة التي تربطنا ببعض، وكأنه يمثل ظاهرة «تزحزح القارات» الجيولوجية! أو يطبق نظرية «فرّق تسد» السياسية! كي يفصلنا شيئاً فشيئاً عن جذورنا كبشر، وتحويلنا إلى مجرد «ربوتات» تعمل بانتظام لتُحقق أهدافاً رائعة من دون الالتفات إلى ما تركته خلفها من دمار غير مرئي. فعلى الرغم من «تقدم» التقنيات الهائل لتسهيل وتسريع أعمالنا في جميع المجالات، إلاّ أننا نجد «تأخراً» واضحاً في معظم زوايانا غير الملموسة، بينما نقف عاجزين تماماً عن التصرف؛ فمجرد التفكير في حل هذه الموضوعات الضئيلة بات مضيعة للوقت لا أكثر! ولهذا صنع كل منا «سلة مهملات» تشبه إلى حد كبير «الريسايكل بن» مثبتة فوق «نافذة العقل»، بعيداً عن «الضمير العاطفي» لحذف جميع هذه الصغائر من دون التفكير في مدى أهميتها، وحجم تأثيرها في ملامحنا كبشر، إلى أن تغيّر وجه عالمنا الداخلي «الرقيق»، وفقاً للعالم الخارجي «الصلب»، ومع أن الإنجازات المتطورة تعتبر نقلة بشرية عظيمة لا يجب نكرانها، إلاّ أن معالم أرواحنا لاتزال تدفع الثمن، حتى صارت أشبه بحال «رجل أوروبا المريض» أيام الدولة العثمانية.

في الواقع إننا نحتاج إلى وجودنا الكامل معاً، أي جنباً لجنب لتكوين «طاقة كيميائية مميزة» تُنتج فقط عند تواصلنا الإيجابي بصورة مستمرة، لكن الحقيقة أن الـ 24 ساعة ما عادت تكفي لقضاء يوم واحد! وأظن أننا لو قلبناها إلى 42 ساعة لن تفي بالغرض أيضاً! إننا نعاني آثار «السرعة» السلبية في مجرى حياتنا، حتى إننا أحياناً لا نجد وقتاً كافياً لممارسة أساسيات الوجود! فلا نتغذى جيداً، ولا ننام براحة، ولا نمارس طقوسنا اليومية الخاصة بنا، أو شعائرنا الدينية كما يجب، بل أصبحنا نفعل كل شيء بسرعة، ونفضل كل ما هو سريع.. سريع جداً.. جداً.  

في الحقيقة لقد تمنيت أن أسترسل أكثر في هذا الموضوع، لكني للأسف «مشــ(غولة)»!

eman.alhashimi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر