‬5 دقائق

العمل الــ«إنساني».. قال: «إنساني»

إيمان الهاشمي

اليوم لن أتحدث كالفلاسفة ضد منهاضي حقوق الإنسان، ولن أقف وقفة الدعاة ورجال العلم والدين، ولن أعمل كأخصائية اجتماعية أو نفسية، أنا اليوم سأكتب فقط من إنسان إلى إنسان عن الإنسان.

إن «الإنسانية» واضحة للجميع بشكل عام، إذ إنها تُخلق بداخلنا مع «فطرة الرحمة»، هذا إضافة إلى عوامل التوعية والإرشاد والدين والتربية والمجتمع والأخلاقيات العامة، لكن مفهوم حقوق الإنسان بات اليوم يعتمد على أن نفسية الإنسان قد تطورت، وأصبحت لديه مناعة أقوى ضد الصدمات، يجيد فيها فن «التطنيش» لتقبل تلك «الانتهاكات الطفيفة» على حرماته الإنسانية، إلى حد أنه أصبح لا يبالي بحقوقه المنتهكة، بل يشعر بأنها مجرد تنغيصات دنيوية عادية، ويعتبرها أمراً لابد منه، فهذه هي الحياة ولا داعي لعمل من «الحبة قبة»، حيث لا يستحسن تضخيم الأمور الصغيرة، لكن هل من معيار واضح يشرح لنا بالتحديد حجم «الانتهاك» من دون مبالغة ولا تهاون؟

فالحقيقة أن بعض الأساليب في ردع اللاإنسانية تكون باللاإنسانية ذاتها، وهكذا نكون أمسينا ندور داخل دائرة تبحث عن زواياها! مؤكدة قول غاندي «إذا قابلت الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة»، لكن ما الحل؟ وكيف يمكن أن نقنع اللابشري بالبشرية؟ فأنا هنا لا أقصد مجمل تلك الوحشية التي تفترس الإنسان دون رحمة،؟ لأنني فعلاً لا أجد حلولاً ضد أولئك «الوحوش» إلا بالامتثال للقوانين الأرضية الموضوعة والتمسك بحبل الدعاء الذي لا يخيب! لكنني أخص في حديثي «حقوقنا الصغيرة» في ما بيننا وفي تعاملاتنا اليومية! التي ما عدنا ندرك أنها حقوقنا لكثرة ما قدمنا فيها من تنازلات لاستمرار الحياة، إلى أن تغير مذاق كل شيء عمّا كان عليه من قبل، حيث أصبحت «الصداقة والأخوة» عند «اللاإنسانيين» مقترنتين بشروط لا تمت للصدق والإخاء بصلة! وأيضاً «الشجاعة والجرأة» اللتان تتصدران قائمة الأكثر قسوة والأقل حياء! وكذلك «النقد والتقويم» وأهدافهما في التجريح والهدم بعيداً عن الإصلاح! تماماً مثل «حرية الرأي والتعبير» وعلاقتهما القوية بسفيرة النوايا السيئة! وعن «الضحك والفرح» ومشاركتهما الفعالة في مهرجان السخرية والاستهزاء بالبشر، أما «الستر وحفظ السر» فهما لعبة المصيدة لرصد أخطاء الغير، وهنالك العديد من الصفات الجميلة التي شوهتها أيادي «اللاإنسانيين»، متناسين قول المصطفى «لاَيُؤمِنُ أَحدُكُم حتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِه».

وهكذا نرى كيف أصبحنا نتعايش مع هؤلاء «الزاومبيز» ونصبر عليهم ونتسامح معهم بحكم إنسانيتنا وتعاليم ديننا الحنيف، ثم نتساءل: كيف تحولوا هكذا؟ ومتى ظهروا في حياتنا ولماذا؟ بينما تعلو وجوهنا نظرة واقعية استفهامية تعكس شظايا انكسار صورة الإنسانية في عدسة عيوننا، فنتمتم متمنين ألا ينتقل إلينا «فيروس» ذلك الوباء، فنصبح مثلهم بقلوب لا تنبض إلا بالظلام، ويتغير لدينا مبدأ الخير والإحساس بالحب، ويبقى العمل الإنساني الذي قال «إنساني».

بعدها سنقول فعلاً: «راحوا الطيبون».

eman.alhashimi@hotmail.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها.

تويتر