أبواب

خديعة الاسم

زياد خدّاش

يكتب الروائي أو الشاعر رائعته الروائية أو الشعرية فينجح نجاحاً باهراً، ويواصل كتابته ويتواصل نجاحه الجماهيري، بغض النظر عن قيمة ما كتب بعد روائعه الأولى. شيء يشبه عدم تصديق احتمالات انتكاسة المبدع أو إخفاقه الفني في أي عمل لاحق، يحدث هذا فقط في العالم العربي، في أوروبا لم يرحم النقاد سارماغو حتى بعد فوزه بـ«نوبل»، كذلك حدث لصمويل بيكت، وماركيز، وجيمس جويس، وهمنغواي، وجاك لندن، وجاك كروياك، وميلان كونديرا، وغيرهم ممن أبدعوا روائعهم لكنهم فشلوا في أعمال لاحقة.

لدينا في عالمنا العربي ظاهرة شعرية محترمة هي تجرية شاعر عربي شهير، طبّقت شهرته آفاق الكتابة العربية، يكتب هذه الأيام شعراً يكاد يخلو من الحد الأدنى من الشعرية، ومع ذلك لم يتجرأ ناقد عربي حتى الآن على القول إن هذا الشاعر يواصل انحداراً واندحاراً عجيباً يكاد لا يصدق، ينشرون له في صحف مهمة، احتراماً لماضيه على ما أظن، أو خجلاً من إهانته. أعرف أنه من الصعب علينا تصديق أن من كتب هذه الرواية العملاقة هو من كتب هذه الرواية العادية، عاطفياً نحن نرفض تصديق ذلك، لكن القاعدة تقول ان الروائي لا يمكن أن يواصل كتابته بنفس الدرجة من الجودة والعبقرية.

ثمة تفاوت من عمل الى آخر، أحياناً يكون هذا التفاوت غير طبيعي على الإطلاق ويسبب حيرة وصدمة، في أوروبا يعبّرون هناك عن هذه الصدمة ويعلنونها في الصحف نقداً، ويكاشف بعضهم بعضاً بها، في عالمنا نحن نخجل من أن نصرّح بها، نخاف على مشاعر الكاتب ونعتقد أننا نجرحه بهذه الصراحة، يخدعنا الاسم الكبير المرتبط بأعمال كبيرة، يخدعنا الى حد أنه يخرسنا عن التعبير عن امتعاضنا من أعمال لاحقة لا ترقى إلى هيبة الاسم، نصمت بشدة ويواصل الكاتب الكبير أو الكاتبة الكبيرة الكتابة معتقداً أنه مازال عبقرياً ومتفوقاً. كم نظلم هذا الكاتب بذلك! ونهين حرفة الكتابة ونؤخر تطور وغنى حياتنا الإبداعية.

الأمر كله مرتبط بوضوح بنظرتنا المتخلفة والصدئة لمفاهيمنا عن الكرامة والخجل والأذى، والحساسية الاجتماعية المريضة المنتزعة من عالم الخوف والمجاملات، والمسايرة والطبطبة والعلاقة الشخصية، وحضارة المصانعة لا المكاشفة، هو نفس الخلل الكبير في الخوف من التعبير عن رأينا الحقيقي في وجه معلمنا في المدرسة وحكّامنا وعائلتنا وأنفسنا.

zkhadash@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر