أبواب

حكاية اسمها أبوظبي

محمد المرزوقي

كلما غرقت الشمس في مياه الخليج الدافئة، وفاضت الأنوار من المباني الزجاجية الشاهقة/الشامخة، أدركت أن الليل في أبوظبي أجمل من أيّ ليلٍ في مدينةٍ أخرى. وأبوظبي مدينةٌ يصعب على المرء اكتشافها بسرعة، فهي تشبه ـ في مفاجآتها وأسرارها ـ علب الهدايا الكلاسيكية: علبةٌ داخل علبة، وكلما فتحتَ علبةً وجدت في داخلها علبةً أخرى.

يقول أحد أصدقائي الكويتيين ـ ممن أدمنوا سحر أبوظبي ـ إنه يكتشف في كل زيارة، أن ما يعرفه عنها قليل جدًا، مع أنه كثير جدًا، لم أستغرب ذلك منه، فكل من زار هذه المدينة نشأت بينه وبينها علاقة حبٍ خاصة.

ينقل الكاتب د.يوسف الحسن في كتابه «ذاكرة الأمكنة»، الصادر عن مركز الخليج للدراسات نثرًا للشاعر الراحل نزار قباني، يتغزل فيه بمدينة أبوظبي، ومن بين ما قاله «أعترف لكم، أن أبوظبي لم تحاول تفتيش ملابسي، أو تقرأ أوراقي، أو تغسل دماغي، وإنما تصرفت معي بمنتهى الحضارة، وتركتني أصرخ بحرية، كما لو كنت أصرخ في هايد بارك كورنر في لندن، الله.. كم أنا سعيد بأبوظبي، وما أروع أن تصبح المدن العربية الأخرى مثل أبوظبي، إذًا، لانحلت كل مشكلات الشعر العربي، وذابت كل أحزان الإنسان العربي».

وفي هذه الأيام تحتفل الإمارات ـ من أقصاها إلى أقصاها ـ بتاريخ قصر الحصن، هذا القصر، الذي يعطي إحساساً لمشاهديه بقوة وتماسك ووحدة البيت الإماراتي، فقد لعب دوراً مهماً في تشكيل تاريخ وحضارة الدولة، ففيه مارس شيوخ آل نهيان الحكم ـ منذ نهاية القرن الثامن عشر ـ وغير بعيد عنه، يلتصق بظلاله مبنى المجمع الثقافي كطفل يلتصق بعباءة أمه ويشدها إليه، وكان المجمع مسرحا صدحت في أرجائه الفرق الموسيقية العالمية، وأقيمت على عتباته مسرحيات وعروض وندوات ثقافية عدة، وولد في أرضه معرض أبوظبي الدولي للكتاب، قبل أن يكبر وينتقل، أخيراً، إلى أرض المعارض.

قبل سنوات، بدأت بكتابة دليل أدبي/إرشادي عن أهم معالم أبوظبي، واكتشفت في لحظة صدق كم أجهل كثيراً من معالم مدينتي، لم أكن حينها ـ مثلاً ـ قد زرت جزيرة صير بني ياس، ولم أكن أعرف كثيرًا عن تفاصيل جامع الشيخ زايد الكبير، الذي يضم إليه ضريح والدنا الطاهر، ولا جلست أتأمل روعة جسر الشيخ زايد، الجسر الذي يشبه في تصميمه حورية حسناء، تستلقي على رمال الخليج الذهبية!

واستغربت أن أول ما نفعله عند زيارة باريس مثلاً، هو زيارة برج «إيفل»، والتقاط الصور من أمامه ومن خلفه، ومن جميع الجهات، رغم حدة الانتقادات التي كيلت لمهندسه، وكثرة النعوت التي وجهت إليه، وإلى برجه، فقد وصفه غي دو موباسان بالبرج المسخ، وشبهه ساخرًا بتحميلة ملأى بالثقوب، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل قامت مجموعة من مثقفي وفناني فرنسا بكتابة عريضة وتقديمها إلى الحكومة الفرنسية لمنع تشييده.

فلماذا لم نكتشف ـ حتى اليوم ـ معالم مدينتنا، التي لا يساوي برج إيفل

ـ وإخوانه من الأبراج ـ عند جمالها شيئًا؟

لعل السبب في ذلك أننا نرى أن هذه المعالم قريبة، وفي متناول أيدينا، وبإمكاننا زيارتها في أية لحظة.

هذا الاطمئنان بالقرب، يدفعنا دون أن نشعر إلى نسيانها!

لذا أتمنى أن يكون مهرجان قصر الحصن، الذي استقطب زوارًا كثراً، خطوة أولى في رحلة اكتشاف كنوز مدينتنا والاحتفال بها!

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر