‬5 دقائق

الصكوك الإسلامية

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

تُعرَّف الصكوك الإسلامية بأنها وثائق متساوية القيمة، تمثل حصصاً شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات، أو في موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص، وهي أنواع كثيرة فمنها صكوك استثمار لملكية منافع الأعيان، أو ملكية الموجودات المؤْجَرة، أو ملكية منافع الأعيان الموصوفة في الذمة، أو ملكية الخدمات من طرف معين، أو ملكية الخدمات من طرف موصوف في الذمة، ومنها صكوك السَّلَم، وصكوك الاستصناع، وصكوك المرابحة، وصكوك المشاركة، وصكوك الشركة، وصكوك المضاربة، وصكوك الوكالة بالاستثمار، وصكوك المزارعة، وصكوك المساقاة، وصكوك المغارسة... وكل هذه الصكوك التي أقرتها هيئة المعايير الشرعية تمثل فتحاً جديداً من فتوحات المصرفية الإسلامية؛ لما فيها من نفع للناس وتخليص لهم من ربقة السندات الربوية وأذونات الخزانة المحرمة التي هي عصب الربا الغليظ، والتي هي تُكأة الدول النامية بل حتى المتقدمة لتوفير السيولة لمشروعاتها، فإن للصكوك من الميزات والخصائص ما يجعل المشاركة فيها محبَّذة نافعة، فهي بديل راقٍ لتلك السندات والأسهم المحرمة اتفاقاً، فإن الصك يمثل حصةً شائعة في ملكية حقيقية، وهو يصدر على أساس عقد شرعي، ويأخذ أحكامه، وينتفي فيه ضمان المدير (المضارب أو الوكيل أو الشريك المدير)، وتشترك الصكوك في استحقاق الربح بالنسبة المحددة، وتحمّل الخسارة بقدر الحصة التي يمثلها الصك، ويمنع حصول صاحبه على نسبة محددة مسبقاً من قيمته الاسمية أو على مبلغ مقطوع، وهي تحمل مخاطر الاستثمار كاملة، كما تحمل الأعباء والتبعات المترتبة على ملكية الموجودات الممثلة في الصك، سواء كانت الأعباء مصروفات استثمارية أو هبوطاً في القيمة، أو مصروفات الصيانة، أو اشتراكات التأمين، وذلك كله يجعل المشارك فيها مطمئناً على دِينه، ومتكلاً على ربه، كما يجعل المجتمع شريكاً في تنمية مستدامة لبلده، أو حافظاً لماله ومنمياً له على ما أحل الله من البيوع، ومتقياً لما حرم من الربا.

وقد انطلقت الصكوك الإسلامية بمعيارها الشامل من عاصمة الاقتصاد الإسلامي، إمارة دبي الرائدة، وعلى يد حاكمها الحائز قصب السبق في كل خير، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حيث أطلق يوم أول من أمس مبادرة دبي عاصمة للصكوك الإسلامية؛ ليشع ظلالها الوارفة أسواق المال في العالم، بعد أن كانت تسير ببطء شديد، مع أنها كانت قد صدرت من نحو عقدين، إلا أن تفعيلها لم يكن بمستوى حاجة الناس إليها، وذلك لهيمنة السندات والأسهم أو غيرها على أسواق المال، فكان على دبي التي أنشأت المصرفية الإسلامية من العدم -في إطارها البنكي- وأصبحت عاصمة للاقتصاد الإسلامي؛ أن تجعل هذا المنتج الإسلامي أول منتجاتها العالمية؛ لتقوم الصكوك بدورها في تفعيل حركة الاقتصاد وتوفير السيولة اللازمة، وتحريك أموال الناس بما ينفعهم ولا يضرهم، لما فيها من تنوع في أبواب الاستثمار المختلفة، ومن وضوح في التشريع والتعليل، ومن وثاقة بين الناس، لذلك تجمع أموالاً طائلة في وقت قياسي. فالصكوك باب من أبواب الاقتصاد الإسلامي المتعددة، وقد أثبت الاقتصاد الإسلامي جدارته ونفعه، في وقت عصف (تسونامي) جارف بكثير من مؤسسات وبنوك ربوية، فضلاً عن حكومات عريقة، فالاقتصاد الإسلامي لم يعد يحتمل التهميش، فضلاً عن الإقصاء الذي كان يُراد له.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر