أبواب

جنايات مترجمين

علي العامري

نقرأ ترجمات في الأدب، شعراً ورواية وقصصاً، وكذلك مسرحيات، لكن هل هي ترجمة حقيقية تمثل تفاعلاً أو سفراً متبادلاً بين ثقافتين؟ هل تلك الترجمات التي قرأناها بشغف كانت تعبر عن النص الأصلي لها، أم أنها «ممسوخة»؟

كثيرة هي الأسئلة التي يمكن أن تطرح هنا، خصوصاً في ما يتعلق بترجمة الشعر، وقد كنت محظوظاً قبل أسبوع باللقاء المباشر الأول مع الشاعر وليد السويركي في عمّان، إذ كنا نتواصل عبر «فيس بوك» والبريد الإلكتروني، قبل ذلك.

سعدت كثيراً بالتعرف مباشرة إلى الصديق الشاعر الذي قدم إلى المكتبة العربية ترجمات ذات شأن لكتّاب من العالم، من بينهم اكتشافه الشاعر الغواتيمالي أمبرتو أكابال، إذ ترجم له «طردت اسمك من بالي». وعلى الرغم من حضوره العالمي، ظل أكابال وفياً لثقافة الهنود الحمر، وظل يكتب ويتخيل ويفكر بلغته الشفاهية الأصلية «كيتشي مايا»، ثم تترجم قصائده إلى اللغة الإسبانية، ومنها إلى لغات العالم.

في اللقاء الذي جمعنا بيت المخرج المسرحي نبيل الخطيب في جبل اللويبدة، وهو البيت ذاته الذي صادف أن كنت أحد ساكنيه في التسعينات، كانت هموم الترجمة مدار الحديث، وكان الدكتور السويركي صاحب المجموعة الشعرية «أجنحة بيضاء لليأس»، بصوته الهادئ يتحدث عن أخطاء كبرى وقع فيها مترجمون كبار في الوطن العربي، حتى إنه وصفها بأنها «جنايات ارتكبها مترجمون معروفون»، ومن بين ذلك شعراء تصدوا للترجمة لم يفرقوا بين الأزمنة في اللغة الفرنسية، أو لم يعرفوا الجملة الاسمية من الخبرية، ولم يتنبهوا إلى أن الكاتب لا يكفيه أن يدخل دورة في اللغة التي يترجم عنها، حتى يخرج في ختامها مترجماً، إذ يتطلب الأمر معرفة دقيقة بالثقافتين، ودراية بتراثهما ومحمولاتهما وانزياحات الدلالة في كثير من المصطلحات أو الأمثال أو التعابير، ولكن نتيجة تجاهل كل تلك المعايير والمتطلبات الأساسية، وقعت «كوارث» في الترجمة، جعلت النص الأصلي «مسخاً»، ومن أمثلة ذلك أن مترجماً عربياً ترجم جملة شعرية فرنسية تعبر عن الدهشة، بجملة حرفية مضحكة، لتصبح على يد ذلك المترجم جملة تتعلق بـ«بقرة»، ولم يعرف أنه تعبير عن الاندهاش.

الشاعر والمترجم السويركي الذي أسهم في إنجاز ترجمات مهمة في مشروع «كلمة» في أبوظبي، تحدث عن «نقد الترجمة» أيضاً، موضحاً أن هذا الحقل يتم تدريسه أكاديمياً منذ زمن طويل في الجامعات الغربية، وهو تخصص يبحث ويدقق في النصين الأصلي والمترجم، للحكم على دقة أو احترافية الترجمة. وفي الوقت نفسه، يفتقر الوطن العربي إلى هذا الحقل الأكاديمي، لتتحول ترجمات إلى تشويه، مع سبق الإصرار، لنصوص أصلية، وإذا كانت تلك الكتب ضحايا لتلك الجنايات، فكذلك المبدع للنص الأصلي ضحية، لتمتد سلسلة الضحايا، حتى تصل إلى القارئ الذي يذهب إلى معرض كتاب أو مكتبة، ويشتري ذلك الكتاب «الممسوخ»، ظاناً أنه كنز، ليكتشف لاحقاً، وقد لا يكتشف طوال حياته أن ما قرأه كان نسخة مشوهة عن نص إبداعي أصيل.

الدكتور وليد السويركي الذي درس في فرنسا، تحدث أيضاً عن «الطاقة المهدورة» في الترجمة، إذ يرى بعض المترجمين أنهم في «سباق» لترجمة أي كتاب لمؤلف حاز جائزة كبيرة، لذلك «تفرخ» الساحة العربية ترجمات متعددة لكتاب واحد.

alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر