أبواب

عالم تعرضه حكاية

قيس الزبيدي

الفرنسية فرانسوا نيني فيلسوفة ومدرسة معهد عالٍ وناقدة سينمائية ومخرجة أفلام وثائقية عاملة في مجلة دفاتر السينما ومدرسة في جامعة السوربون نوفيله، وكتابها الأخير الذي صدر عام ‬2009 حول «الفيلم الوثائقي وحججه»، صدرت ترجمته إلى الألمانية في دار نشر شيرين العام الماضي، تحت عنوان «واقعية الفيلم الوثائقي.. خمسون سؤالاً حول نظرية وممارسة الوثائقية». وتشكل الأسئلة التي تختارها وتجيب عنها لوحة كاملة لطبيعة الفيلم الوثائقي وقضاياه، آفاقه وحدوده بشكل غير مسبوق، بحيث يقدم لهواة السينما، ومحترفيها، ونقادها، بانوراما فنية وتاريخية غنية ومُلهمة، من دون أن تفصل بين البساطة والعمق. ونحاول هنا أنْ نعرض باختصار جواباً واحداً عن سؤال: ما اللقطة، وكيف تختلف عن أنواع الصور الأخرى؟

كلمة صورة ذات حقل واسع، ومعنى متعدد، فهي علامة، نسخة مطبوعة، فريسكو، رسم، أيقونة، لوحة، رسم بياني، مخطط بياني، شكل هندسي، تصميم مخطط، رسم تخطيطي، فانوس سحري، رسم متحرك، فوتغراف، فيلم فيديو، شريحة صوت، صورة كمبيوتر. كل هذه الصور هي فعلاً صور جميلة يحب الإنسان مشاهدتها، لكن عليه أن يعرف كيف يتعامل معها، ويتعرف إلى خصال الصورة السينماتوغرافية وعلى ظاهرة الصور من وجهة نظر فينولوجية.

ترتبط خاصية الصورة الفوتوغرافية باللقطة كظاهرة سحرية لانطباع بصري يُدرك أثناء لحظة ظهور أشكالها، فالصورة تختلس النظر عبر حركة اليد بين العين والعدسة، وتسجل الأشياء وأحداث العالم، وتثبتها مباشرة على شريط الفيلم، وتخلق بهذا مادة بصرية كانت تسمى في بداية السينما «الصور الحية» واليوم، بعد ابتكار المونتاج، أصبحت تسمى اللقطة السينمائية. ولكي نصل بالجمهور الى حالة الوهم ونجعل المشاهد يشعر كما لو أنه موجود في المكان نفسه، يتوجب على المصور أنْ يكون قد توجه مع كاميرته فعلياً الى المكان المُشاهد نفسه، ليجلب معه ما يكون قد صوره.

وتتميز اللقطات كشرائح من العالم على عكس المكتوب الذي لا يعرف سوى حروف سوداء على ورق أبيض بأنها تُشكل في وحدة من حالات عدة: صورة، موسيقى، حروف، مؤثرات صوتية، لغة متزامنة أو غير متزامنة، إضافة إلى كل إمكانات التسجيل الفني داخل إطار الكادر أو خارجه.

تسهم الكاميرا في إصابة هدف قال عنه كريس ماركير: بدلاً من إنسان ميت تجعله الكاميرا خالداً لا يموت. وفي صيغة أخرى أكد جان ميتري: جوهر اللقطة بأنه حيازة للحياة، وهو ما يصنع أصالة السينما. ويعرف بازان الفيلم بأنه مومياء التغيير، فهو بالتأكيد إعادة عرض، لكنه أيضاً إعادة إنتاج شبيهة بالكائن الذي يظهره كما هو نفسه أو حتى أفضل. وكما يقول الفيلسوف ستانلي كافيل: التصوير الفوتوغرافي يُحافظ على حضور العالم من خلال غيابنا منه.

إن تشكيل الفيلم لنسيج مواد المومياء هو نمذجة لحضور الواقع، كما أن العرض وإعادة إنتاج حضور وغياب الكائنات، تشير إلى قدرة ثنائية الفيلم وطاقته الإيحائية، حيث يكون مزيجاً من الحلم والواقع. وتبقى تجربة الفيلم غير اعتيادية، لأنها جنحة التباس من «نعيم ووهم».

السينما مثل المسرح هي شكل للعرض، لكن دون خشبة مسرح، لان العالم هو مسرحها الحقيقي، والرواية هي حكاية تعرض العالم، أما الفيلم فهو عالم تعرضه حكاية.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر