أبواب

«متشرداً في تل أبيب»

محمد المرزوقي

لا يكاد يُذكر اليهودي في الآداب العالمية الكلاسيكية إلا تضاف إليه سلسلة لا تنتهي من الصفات السيئة، بدءاً من البخل والجشع، مرورًا بالأنانية والنفاق، وليس انتهاءً بالخيانة والاحتيال ونكث العهود. فقد تحدث الفيلسوف الفرنسي فولتير، أحد أشهر فلاسفة التنوير، عن اليهود بامتهان في ‬30 مقالة من أصل ‬118 مقالة في «القاموس الفلسفي»، وكان يسميهم «أعداؤنا الذين نحتقرهم»، و«الشعب الأكثر بغضاء في العالم». ولعل مسرحية «تاجر البندقية» لويليام شكسبير، أشهر عمل أدبي كلاسيكي يفضح الشخصية اليهودية المتسمة بالخبث، غير أنه منذ القرن الـ‬18، كما يذكر ممدوح عدوان في كتابه «تهويد المعرفة»، بدأت صورة اليهودي الكريه تتراجع من الأدب الغربي، وتحل محلها بالتدريج صورة اليهودي الطيب.

فمن خلال استحواذهم على مداخل الثقافة ومخارجها، وحصول بعض أدبائهم على جائزة نوبل، استطاع اليهود تغيير صورتهم النمطية المشوهة، بل وضع العرب الفلسطينيين في تلك الصورة السابقة، وبعد أن نجح اليهود في استصدار «فتوى» تبرئتهم من دم المسيح من بابا الفاتيكان نفسه، بحيث صار من يتهمهم بصلب المسيح يصنف فوراً على أنه معادٍ للسامية، بدأ مثقفو اليهود بمحاربة الأدباء والمفكرين، الأحياء منهم والأموات، وكل من تحدث أو كتب بسوء عن قومهم، فعندما يعجز الرجل القبيح عن تغيير وجهه، لا يملك سوى إعلان الحرب على المرايا، والأبواب الزجاجية، وكل شيء وأي شيء يعكس/يفضح قبحه. شكسبير، جونتر غراس، روجيه غارودي، إدوارد سعيد.. جميع هؤلاء وغيرهم تعرضوا لمحاولات اغتيال أدبية على أيدي مثقفي اليهود، بحجة العنصرية تارة، وبحجة معاداة السامية تارة أخرى.

قبل أشهر نشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية مقالاً في صفحتها الثقافية حول مذكرات الكاتب الإنجليزي جورج أورويل، مؤلف العديد من الكتب الخالدة مثل «‬1984»، و«مزرعة الحيوان»، و«متشرداً في باريس ولندن». جاء عنوان المقال على شكل استفهام بصيغة اتهام: «هل كان جورج أورويل معادياً للسامية؟»، (بسبب بعض المقاطع التي يصف فيها اليهود بأوصاف سيئة في كتابه «متشرداً في باريس ولندن»).

هذا الأسلوب رغم بساطته، إلا أنه ناجع جداً، حيث يطلق يهودي ما في صحيفة، أو في محفل ثقافي، سؤالاً مرتجلاً، كالسؤال السابق، فيتلقاه يهودي آخر ويردّده على أنه مُسلمة، ثم تعمل الماكينة الإعلامية اليهودية على تعميم القول ونشره إلى أن تحوّله إلى حقيقة، فالشخص السافل يكفيه أن يتهم امرأة عفيفة في شرفها حتى يتداول الناس هذه التهمة، وتقضي المسكينة ما تبقى من عمرها لردّ التهمة.. هذا إن استطاعت!

وإذا كانت إسرائيل تشنّ هذه الحرب الثقافية على العالم كله، حرب ظاهرها الأدب وباطنها التستر على قبح الشخصية اليهودية التي طالما كشفها الأدباء والمفكرون، فإن الأدباء والمثقفين العرب مطالبون اليوم بشنّ هجوم معاكس لفضح ممارسات إسرائيل العنصرية واللاأخلاقية، فالصراع العربي ـ الإسرائيلي لا يمكن اختزاله في ما تطلقه «حماس» من مفرقعات نارية/إيرانية (أو نيرانية كما يحلو لي تسميتها) في سماء تل أبيب، الصراع الحقيقي يجب أن يبدأ ولا ينتهي، في الجامعات وميادين المعرفة وساحات الأدب.

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

تويتر