أبواب

المهنة: كومبارس

قيس الزبيدي

عرف المغرب السينما بداية من مجيء مراسلي الأخوين لوميير، الذين صوروا المشاهد الطبيعية، وقدموا عروضاً فيلمية في المغرب، تجاوزت في مجملها 561 عرضاً في عام ،1897 وستواصل كاميرات السينما زحفها إلى جانب الدبابات وقبلها البوارج البحرية، لتصوير المجازر وسقوط المدن والقرى المغربية على أيدي القوات الفرنسية، ومع توقيع معاهدة الحماية عام 1912 سيؤكد الماريشال كونزاوف ليوطي: «لا يمكن لأحد الشك في النتائج المثمرة التي نتوخاها من توظيف السينما كأداة للتربية»!

ورغم محاولة الإدارة الفرنسية منذ عام 1944 خلق هوليوود على الأرض المغربية، يكون من أهدافها الأساسية منافسة السينما المصرية، وصنع سينما شعبية تجارية تسهم في سياق التطبيع الثقافي مع الاحتلال الفرنسي، لكن هذا الحلم تبخر وحكم عليه بالفشل، ليبقى المغرب، بعدئذ، مجرد فضاء لعاصمة سينمائية يقصدها عشرات السينمائيين العالميين لتصوير أفلامهم.

لماذا المغرب؟ لأن المغرب يتمتع بطقس معتدل ملائم للتصوير، وتلائم ديكوراته الطبيعية كل القصص والمغامرات، ولأن «واحاته وجباله العظيمة وكثبانه الرملية وقصباته التاريخية وأشعة شمسه الجنوبية وألوان فصوله الأربعة تجعل منه جنة عدن سينمائية»، من هنا يقع تحت تأثير سحر طبيعته وجمالها عشرات المخرجين العالميين: صور اورسون ويلز فيلمه «عطيل»، ونال السعفة الذهبية في مهرجان كان عام ،1952 وصور جاك بيكر فيلمه «علي بابا والأربعون حرامي 1954»، وكذلك صور الفريد هتشكوك فيلمه «الرجل الذي عرف كثيرا 1955».

وتميز إقليم ورزازات والمناطق المحيطة ليصبح من أهم الفضاءات السينمائية في المغرب، فمنذ عام 1939 إلى عام 2003 صُور فيه، كلياً أو جزئياً، 224 فيلماً، كان من بينها «لورنس العرب» لدافيد لين، و«أوديب ملكا» لبازوليني، و«الإغواء الأخير للسيد المسيح» و«كوندون» لمارتن سكوركيزي، و«شاي في الصحراء» لبيرتلوتشي.

وتعتمد الإنتاجات الأجنبية المصورة بالمغرب أساساً على تقنيين وفنيين وممثلين أجانب، إلا أنها تستعين أيضاً ببعض الفنيين والتقنيين والحرفيين المحليين، لكنها تعتمد في الدرجة الأولى على تشغيل سكان الإقليم الذين أضحى قسم كبير منهم متخصصين ومتفرغين للعمل في الأفلام ككومبارس، فمنذ عام 1998 حتى عام 2001 تم تشغيل أكثر من 50 ألف كومبارس من سكان الإقليم.

وسبق أن صور المخرج المغربي علي الصافي الكومبارس في فيلمه الوثائقي «سينما ورزازات»، وكيف يتم جمعهم في أماكن معينة ليشحنوا داخل حافلات إلى أماكن التصوير، رجالاً ونساء أطفالاً وشيوخاً، يعملون ساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة صيفاً والبرد القارس شتاء، دون توفير إجراءات صحية لهم، لكن رغم كل المعاناة فإن الفقر والحاجة يدفعان الناس حتى إلى دفع اتاوات إلى السماسرة والوسطاء ليتم تشغيلهم في التصوير.

وعندما نعاين لائحة الفيلموغرافيا السينمائية المصورة في المغرب، يكتب المؤلف عبدالإله الجوهري، نجدها تسير على خطى أفلام تدخل ضمن ما أصبح اليوم يسمى في الأدبيات النقدية أفلام «الكولنيالية الجديدة»، إذ يتم التركيز على الوجوه القبيحة والأزقة الضيقة والعادات والتقاليد المثيرة من خلال مضامين مسيئة للمغاربة والعرب وشعوب البلدان النامية.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر