أبواب

رهانات الحداثة

قيس الزبيدي

كتاب محمد شويكة «رهانات الحداثة ووعي الذات في مسار السينما المغربية»، (دار التوحيدي للنشر/الرباط)، يسلط الضوء على بعض إشكاليات السينما المغربية وقضاياها، ولا يتناولها استناداً إلى منهج واحد، لأنه يجد مرجعيات مخرجيها الفكرية وأيديولوجياتهم مختلفة ومتضاربة، وأفلامهم - حتى أفلام المخرج الواحد - عسيرة على المقارنة.

فصول الكتاب الأربعة حول النقد وجماليات السينما الروائية والوثائقية، وحول المُكون الشعبي في السينما وحول سينما المخرجات المغربيات، ولاشك في أن الدراسة التي تثير الاهتمام هي الدراسة حول جماليات «المونتاج» في السينما المغربية، التي تأتي في نهاية الفصل الثاني: ما الدور الذي يلعبه المونتاج في الفيلم المغربي؟ وكيف يولد الجمال في هذا الفيلم؟ وهل يمارس «المونتير» وظيفة خلاقة حقاً في الفيلم؟

إن تتابع الصور/اللقطات، حسب ميتز، أو عملية تقابل اللقطات، حسب ايزنشتين، أو التزامن بين اللقطات/المشاهد، حسب بازان، هو ما يولد الدلالة في السينما والمعنى، ويصنع لغتها وتأثيرها القوي في المشاهد. ولقد تطور منهج المونتاج تاريخياً الى أسلوبين يختلفان ويتحدان: أسلوب المونتاج الأفقي ويعني كل أشكال تجاور الصور، وأسلوب المونتاج العمودي ويعني كل أشكال التداخل الزمني في الصور، النتيجة عملية بنائية مركبة أفقية وعمودية لعناصر سمعية/بصرية في ما بينها، ومع كل عناصر التعبير الفيلمية الأخرى. وتحدد طرق المونتاج وأساليبه الحد الفاصل بين السينما التجارية والسينما الثقافية.

مشكلة المونتاج في صناعة السينما في المغرب هي النقص الكبير في عدد العاملين في هذه المهنة الفنية، كما أن معظم العاملين فيها لم يتقنوها في دراسة أكاديمية، على هذا يلجأ معظم المخرجين الى الاستعانة بخدمات اختصاصي مونتاج أجانب، يمكنهم أن يتعاملوا مع المادة الفيلمية في الأساس، بشكل حرفي تقني فقط.

أما ما يتعلق بالإخراج فيُلاحظ طغيان اللقطتين؛ العامة والمتوسطة اللتين تشكلان «عائقاً» أمام عملية المونتاج الفنية. يُلاحظ أيضاً طغيان أسلوب تعاقب اللقطات بحيث يقتصر مونتاج الأفلام، مع استثناءات قليلة، على سرد زمني «تعاقبي» لا نرى فيه إلا في النادر، حتى استعمال المونتاج المتوازي مثلاً الذي يمكن بواسطته إغناء عملية المونتاج فنياً.

وبهذا يعيد المونتاج إنتاج قوانين المكان والزمن الواقعيين ويعطي السينمائي إمكانية كسر قوانين المكان والزمن، بما يتناسب وهدفه السردي الخاص.

ترتبط خصيصة الفيلم الجمالية من ناحية تعلقها بإيقاع الفيلم بثنائية حوار الممثل وجمالية الديكور، وتسلط الممثل في أفعاله وحركاته وحواره، الذي يشغل في كل فيلم مغربي حيزاً كبيراً، على بناء إيقاع الفيلم ويتحكم في استمراريته البصرية وبلورة تسلسله الدرامي. النتيجة أن يتحول الفيلم الى مشهدية حوارية «متوالية بامتياز».

هذا على صعيد شريط الصورة، أما على صعيد شريط الصوت فإن السينما في المغرب تعاني نقصاً في وجود مهندسي صوت أكفاء، لهذا يلجأ المخرجون الى تسجيل الصوت بشكل يتزامن مع تسجيل الصورة أثناء التصوير، وهم إذ يتداركون سد الفراغات في شريط الصوت يستعينون بالموسيقى فقط.

عسى أن تنفع دراسة شويكة، كموديل أولي، عن دور المونتاج في السينما المغربية، في لفت أنظارنا، نقاداً وباحثين، وفي دعوتنا لدراسة البنية العميقة للفيلم العربي من أجل الكشف عن أسباب تعثر سرده وفقر أساليبه الفنية؟

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر