أبواب

لا تفعل ذلك وخذ حذرك!

قيس الزبيدي

في وقت مُبكر عرفت مصر الرقابة، حتى قبل أن يوجد إنتاج سينمائي وطني، وصاحبت بعدئذٍ مسيرة آفاق التطور السينمائي، وقد أنشئت الرقابة على الأفلام في أوائل الحرب العالمية الأولى وظلت تابعة لوزارة الداخلية حتى سنة ،1930 واستمر دورها الأمني الفعال، والقمعي، والرقابي أولاً وأخيراً، حتى نهاية القرن الـ،20 رغم كل المُتغيرات السياسية والاجتماعية والتاريخية. ولأنه لم يحدث أي تغيير جذري، لا في دوائر السلطة ولا في السينما ولا عند الجمهور، فإن الرقابة استمرت و«طالت اللاوعي بعد أن أجهضت الوعي واستحوذت عليه».

وهكذا أصبحت سلطة الرقابة فوق السلطة، وظيفتها الأولى أمنية، ودورها قمعي، ومستبد لكل ما يقع في نطاقها، ومهيمن على كل ما يطوله نفوذها، بدءاً من النص والفيلم، وعدواني إزاء مبادرات التطوير والتحديث في السينما. ويكشف لنا اليوم التراث البصري والذهني بجلاء النتاج النهائي للأفلام المصرية ودور الرقابة في الفترة من 1925 الى 1950 مثلاً في تحييد السينما واستبعادها تماماً عن مشكلات المجتمع، ومشكلات الفقراء والأثرياء على حد سواء. واستطاع هذا الدور أن يصنع على الشاشة صورة غرائبية، بدت بعيدة كل البعد عن حياة المصريين الحقيقية. وضع قانون الرقابة المصري في عام 1947 على غرار قانون الإنتاج الأميركي لعام ،1946 إضافة الى تقرير عام المحظورات والنواهي في عام 1927 الذي عرف باسم «لا تفعل ذلك وخذ حذرك»، وأضاف إليه المُشرع المصري بند المحظورات التي تسيء الى سمعة الوطن، ومن بعض بنوده:

لا يجوز إظهار مناظر الإخلال بالنظم الاجتماعية أو الثورات أو المظاهرات أو الإضراب.. الخ. لا يجوز التعرض لأنظمة الجيش أو البوليس أو تناول رجاله بالنقد. يجب إظهار رجال الدولة من القضاة والبوليس والجيش عامة بشكل لائق. عدم إظهار تجمهر العمال أو إضرابهم أو توقفهم عن العمل. عدم إظهار بيوت الفلاحين الفقراء ومحتوياتها إذا كانت حالتها سيئة. تخفيف مناظر التسول والمتسولين قدر المستطاع مع عدم إظهار الحفاة. عدم إظهار منظر الحارات القذرة والعربات الكارو وعربات الباعة المتجولين، ويجب مراعاة نظافة المناظر بحيث لا تثير الاشمئزاز.

في 30 سبتمبر 2001 عقدت ندوة وخصصتها جمعية نقاد السينما المصريين لمناقشة واسعة دور «الرقابة» الرسمية المؤثر في السينما، وفي طبيعة الإنتاج والعرض السينمائي، وفي «الرقابة الذاتية»، وفي رقابة جهة الإنتاج، ورقابة الجمهور. وأصبح لدينا، بسبب الرقابة، كآلية من آليات القمع، وآلية من أهم آليات الفساد في المجتمع - حسب الكاتبة سلوى بكر - تراث هائل من كل ما هو رديء وملوث في معظم حقول الفن والأدب والدراما والأغاني.

أصدر الناقد حسن بيومي كتاب «الرقابة على السينما.. القيود والحدود»، الصادر عن الهيئة المصرية للكتاب ،2012 وهو أول كتاب يخصص بالكامل لمناقشة بحث قضية الرقابة على السينما في مصر، ويضم أهم الوثائق الخاصة بالتشريعات الرقابية منذ بداية 1954 حتى عام ،1976 ويتطرق إلى دورها وتأثيرها في حرية من ينتج الأفلام ومن يصنعها ومن يشاهدها. تأتي محاولة نشر الكتاب بعد الثورة المصرية كمحاولة للاشتباك مع الواقع المتخلف من أجل المساهمة أولاً في تغييره ومن ثم تطويره.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر