أبواب

الوسيط السينمائي

قيس الزبيدي

كتاب «الوسيط السينمائي» للويس جاكوب ومجموعة من الباحثين اللامعين والمخرجين يضم نحو 27 دراسة، تتناول طبيعة التعبير السينمائي وعناصره التشكيلية، وأهمية الصورة والحركة والزمان والمكان واللون والصوت والبنية التشكيلية ـ سلسلة الفن السابع (110) دمشق/،2006 ترجمة أبية حمزاوي ـ

لكي تفهم الطبيعة الخاصة للعناصر التشكيلية، وإمكاناتها التعبيرية، وكيفية عملها في الفيلم تتبع الدراسات طريقة تحليلية، تعزل وتدرس كل عنصر على حدة، ليكون فصل العناصر عملية هدفها إلقاء الضوء على طبيعة كل عنصر ووظيفته الفنية.

ما هدف المخرج من صناعة أفلامه؟ لانغ يعتقد «أننا بحاجة إلى الأطروحات والأشكال الجديدة لتعكس العالم المتغير الذي نعيشه»، ويرى برغمان أن البعض يعبر عن نفسه بكتابة الكتب، برسم اللوحات، بتسلق الجبال، وبضرب أطفاله، أو برقص السامبا.. أما هو فيعبر عن نفسه بصنع الأفلام.

ويتوق بونويل لسينما تعطيه رؤية متكاملة عن الواقع، وتزيد من معرفته بالأشياء والناس، وتفتح له عالم المجهول الرائع: «الذي لا يمكن قراءته لا في الصحف اليومية، ولا في العثور عليه في الشارع». ويعارض فيلليني أولئك السطحيين الذين يتهمونه بأنه يرى الواقع مشوهاً: ما معنى أن نكون موضوعيين في فيلم ما؟ «أعتقد أن كلاً منا يرى الحياة حوله بطريقة أكثر من سطحية. ويدعو المخرج جوناس ميكاس إلى سينما يقظة ومُتغيرة، تكشف وتصف وتعرف وتشير إلى ما نحن عليه، وما لسنا عليه حقيقة، دون أن تتجاهل جمال العالم الحقيقي المحيط بنا.

اكتشف بعض المخرجين استخدامات للحركة جديدة وفعالة، بشكل خاص، منذ أن تركت لقطات المتابعة الرائعة في الغابة في فيلم كوروساوا «راشومون»، بصماتها على عالم السينما. وسار أحد أهم تطورات السينما، في طريقة الاستخدام المتزايد للكاميرا المتحركة، في مشاهد كانت تصور عادة بكاميرا ثابتة ونتج عن ذلك ليس مجرد تغيير في التقنية، وإنما تحوّل أساسي في طرق التعبير البصري وأساليبه المبتكرة.

وتطورت هذه التقنية في ما بعد بابتكار وأصالة، واستعرض فيها هيتشكوك إمكاناته في فيلم «الحبل»، ،1948 عن طريق ما بدا أنه حركة ومرونة لا حدود لهما لعمل الكاميرا، إذ نفذ الفيلم بأكمله بلقطة واحدة متواصلة لكاميرا متحركة دون أي انتقال من مشهد لآخر؟

ينتهك الفضاء السينمائي قوانين الفضاء الحقيقي، بالطريقة نفسها التي ينتهك فيها زمن الشاشة الزمن الحقيقي، ويسمح لصانع الفيلم بكسر قوانين المكان الحقيقي، وإعادة بنائه بما يناسب غرضه الخاص. وتتدخل الكاميرا في الفضاء الفيزيائي باستمرار، تختار أقساماً وأمكنة وتُعيد إنتاجها من مسافات ووجهات نظر مختلفة. وينتج من حركتها إدراك بصري للمكان نرى فيه الموضوع المصور متعدد المقاييس ومن وجهات نظر مختلفة في لقطات منفردة، ليس لأي منها وجهة نظر شاملة.

تستخدم السينما وسيط الأشياء الملموسة والآلات أكثر من أي وسيط آخر، إلا أن المشكلات التي تواجه فنانيه لا تختلف عن مثيلاتها التي ورثتها الفنون الأخرى، وكلما يتم تفهم خصائص الوسيط الفيلمي، يتاح لنا امتلاك لغة تعبير جديدة تثير المشاعر وتحرض الذهن. وهذا الهدف بحق هو إنجاز هذا الكتاب المهم الذي يقدم لمحبي السينما وللنقاد، وحتى للسينمائيين فائدة ثقافية وتعليمية بأسلوب سهل وممتع إلى حد بعيد.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر