أبواب

الحيّة تغير جلدها

محمد المرزوقي

بحذر مؤمنٍ سبق له أن لُدغ من جحرٍ مرّة، كنت أرقب موقف الشّاعر السّوري أدونيس حول الثورة السورية، هذا المتحوّل الذي برّر كثرة تحولاته الفكرية يوماً بحكمة لنيتشة يقول فيها «الحيّة التي لا تستطيع أن تغيّر جلدها تهلك». فالمتحوّل أدونيس كان أحد دعاة القومية، ثم بدّل جلده وارتدى رداء العلمانيّة، ثمّ تحوّل إلى اشتراكي ناصري، وبعد ذلك أصبح يساريّاً متطرفاً، ثم انقلب على هؤلاء جميعاً وانحاز إلى الخمينية بعد نجاح الثورة الإيرانيّة في الإطاحة بنظام الشّاه، فكتب قصيدته المشهورة «تحيّة لثورة إيران»، والتي قال فيها: سأغنّي لقمّ لكي تتحول في صبواتي.. نار عصف.. شعب إيران يكتب للشرق فاتحة الممكنات».

بالطّبع فإن تغيير القناعات ليس عيباً، والتعافي من أفكار سابقة\خاطئة، دليل نضجٌ فكري قبل أن يكون تهمة. لكن رحلات أدونيس من القوميّة وحتّى الخمينيّة لم تكن تعبيراً عن تطوّر فسيولوجي منتظم بقدر ما كانت ضرباً من ضروب العبث الفكري، فقد كان يبدّل مواقفه\مواقعه، كما تبدّل مراهقة عشرينيّة أرديتها، تبعاً للموسم والموضة!

فتبديل أدونيس لآرائه وتنقله بين المواقع المذكورة، لم يكن ــ بالضرورة ــ تطوراً باتجاه الأفضل والأكثر تقدماً، بل كان مجرّد خليطٍ غير متجانس من المواقف والقفزات والمراوحات التي لا ينظمها أي ناظم سوى اعتبارات الحالة الراهنة، بحسب تعبير المفكر السوري صادق جلال العظم!

لذلك؛ لم أندهش كثيراً من موقف أدونيس من الثورة السورية، وإدانته للثورة والثوار، وانحيازه غير المباشر للنظام المجرم، فهو ليس سوى تكريس لمواقفه الخمينية السابقة، وكما قال صادق جلال العظم «استفاقت شيعية أدونيس»، عندما وصلت الثورة إلى سورية!

أدونيس الذي كان ينظر دائماً للتغيير والثورة على الأوثان، ويدعو إلى الانفصال عن الماضي، وتأسيس عصر عربيّ جديد. إذ قال يوماً «ما نطمح إليه كثوريين عرب هو تأسيس عصر عربي جديد، نعرف أن تأسيس عصر جديد يفترض بادئ بدء الانفصال كلياً عن الماضي».

اختار أن يكون جزءاً من الماضي، الذي قرّر الشعب السوري أن ينفصل عنه ويثور عليه. ستبقى أعمال أدونيس الأدبية والفكرية رافداً من روافد المكتبة العربية بكل تأكيد، لكن موقفه المخزي الأخير سيكون عنواناً لها.. وله!

يقول بعض المفسرين إن الحكمة الإلهية من وراء التيه الذي قدره الله على بني إسرائيل والذي استمر 40 عاما، كانت لتغيير أجيال بني إسرائيل فيذهب جيل ذليل ومقهور ليحل محله جيل قوي وحر. وثورة سورية ما هي إلا إيذان بانتهاء فترة التّيه وانقضاء 40 عاماً من القهر والظّلم تحت نظام حزب البعث وأدواته من مفكرين ومثقفين وفنانين خانوا شعوبهم في اللحظات الحرجة!

ستُزهق أرواح كثيرة، وستسيل دماء أكثر.. ولكن ستكلل الثورة بالنصر والحرية.. ويومئذٍ يفرح السوريون.

al-marzooqi@hotmail.com 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر