أبواب

زمّار الحي لا يطرب

سالم حميد

اشترت دولة قطر العام الماضي لوحة للرسام الفرنسي بول سيزان، بمبلغ خيالي لا مثيل له في سوق الفن المعاصر بـ250 مليون دولار، يعني ربع مليار دولار، أي بالدرهم 920 مليون درهم، يعني ما يقارب المليار درهم، لكن الخبر لم يُنشر إلا قبل أيام قليلة في مجلة «فانيتي فير» الأميركية، ثم تداولته وسائل الإعلام العالمية أخيراً، وأضاف الخبر أن شراء دولة قطر تلك اللوحة يأتي ضمن أحدث جهودها الرامية لأن تصبح مركزاً فكرياً عالمياً. يُذكر أن اللوحة تعود تقريباً لعام ،1895 وتتمحور حول موضوع واحد وهو ثلاثة رجال يلعبون القمار على طاولة، وشخص رابع يطالعهم واقفاً.

كي لا يُساء فهمي، لست بصدد انتقاد قطر على تلك الصفقة الباهظة، إن شاء الله يشترون لوحة «الموناليزا» بتريليون دولار، فهذا شأنهم، والأمر لا يعنيني، لأنني بحاجة إلى تعزيز مكانتي الثقافية التي أنتمي إليها وليس شراء أيقونات الآخرين بالمال ولو كنتُ غنياً من الناحية المالية. ولدي سؤال عن الخبر المذكور بأن الصفقة تأتي ضمن جهود قطر لأن تكون محوراً فكرياً عالمياً، فمنذ متى الفكر يُشترى بالمال؟! وهل بشرائي بفلوسي منتجات ثقافية للآخرين سأكون مركزاً محورياً للفكر؟! وسبق لي أن كتبت عبر هذا العمود في فبراير الماضي، أي قبل عام بالضبط، انطباعي المؤسف عن زيارتي لمتحف الفن الإسلامي في قطر، بسبب غياب ابن البلد واجهة لهذا الصرح الثقافي الجميل، وسيطرة الغربيين عليه في ذلك الوقت.

لو كنت أمتلك 250 مليون درهم، وليس دولاراً، لقمت بتشييد متحف بعنوان «متحف الفن الإماراتي المعاصر»، يأخذ في الحسبان التصميم التراثي المعماري للبلاد، وآخر منجزات العمارة الحديثة، ويزاوج بينهما، ليكون من الرموز والإضافات المعمارية والثقافية والفنية البارزة التي ستكون مصدر جذب لمتذوقي الفنون. فكما هو معروف دولياً لا تخلو عاصمة في العالم من متحف رئيس ومتاحف عدة ثانوية أخرى للفنون في بقية مدن الدولة، وهذه المتاحف تشتمل على المجموعات الفنية المهمة التي تمتلكها تلك الدول، والتي تشكل لها ثروة وطنية كبرى. كما أن فناني الإمارات بحاجة إلى متحف يحتضن أعمالهم التشكيلية، مع إمكانية استضافة العديد من المجموعات والمعارض من مختلف المتاحف الفنية العربية.

لو كنت أمتلك 250 مليون درهم، لقمت بتشييد متحف وطني بعنوان «متحف التاريخ الإماراتي»، يوجز التاريخ الإماراتي على مر مئات السنين الماضية من ملاحم وبطولات تاريخية، وتماثيل شمعية لأبرز الشخصيات، وأقسام أخرى من المتحف تشرح فترات معينة من عمر البلاد، ونمط معيشة أهلها في السابق، البرية والبحرية والجبلية، إلى عصر النهضة الحالي، وأقسام أخرى للأعمال الفنية الإماراتية، من سينما ومسرح وغناء ورقص شعبي وتراث وأعمال تلفزيونية وإذاعية ووثائقية ومنشورات إعلامية ودعائية قديمة ومجموعات الصور التي التقطها المصورون راميش شوكلا ونور علي وكودري، وغيرها من مواد، مع تزويد المتحف بجميع المواد السمعية والبصرية الحديثة.

لو كنت أمتلك 250 مليون درهم، وليس دولاراً، لقمت بإنشاء مجمع ثقافي متكامل الخدمات ليؤوي الأفراد والمجموعات الفنية، بعيداً عن جشع القطاع التجاري.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر