أبواب

الثورة الفرنسية في السينما

قيس الزبيدي

كان الاحتفال بالذكرى المئوية الثانية للثورة الفرنسية والاستيلاء على سجن الباستيل في يوم 14 يوليو ،1789 مناسبة لظهور دراسات حول بعض الفنون ومنها، بشكل خاص، فن السينما التي تناولت ثورة، تُعد من أبرز الصفحات الحاسمة في التاريخ البشري. ومن بين تلك الدراسات كتاب المؤرخ الفرنسي روجيه إيكار «الثورة الفرنسية في السينما»، الذي حاول أنْ يتعقب فيه أساليب تناول أحداث الثورة سينمائياً، ليظهر مدى الصدق في التعبير عنها، ليس فقط في السينما الفرنسية، إنما أيضاً في السينما العالمية.

لقد تم إنتاج أكثر من 90 فيلماً في فرنسا ونحو 18 فيلماً في أميركا ونحو 20 فيلماً في انجلترا ونحو 27 فيلماً في إيطاليا ونحو 10 أفلام في ألمانيا، إضافة إلى ثلاثة أفلام في الدنمارك. وتم ترتيب عرض الأفلام منذ عام 1897 حتى عام ،1988 وفقاً لتسلسل إنتاجها الزمني. ويبدو في معظم هذه الأفلام التاريخية أن السينمائيين اعتمدوا في تحقيقها على جموح الخيال أكثر من اعتمادهم على الحقائق التاريخية، ولم يكن تناول السينمائيين الأجانب، بشكل خاص، للثورة الفرنسية في منتهى التنوع والأهمية، لأن نظرتهم إليها إما كانت محافظة أو حتى عدوانية، فهم اكتفوا، في الغالب، بإدخال شخوصها وأحداثها الصاخبة والدامية في أعمال تخيلية، كانت تغلب عليها الفانتازيا والدور التخريبي المشؤوم. ويكتشف المؤلف في كتابه ندرة في الأعمال التي سعت إلى إبراز معنى الثورة وطرح الأسئلة حول صيرورتها أو تمجيدها، على الأقل كما فعل ابل غانس في فيلم «نابليون - 1926 - 1935»، وجان رينوار في فيلم «المارسيليز - 1937»، واندريه فايدا في فيلم «دانتون- 1981»، الذي يبقى أفضل تعبير عن الثورة الفرنسية التي تظهر مشاهدها الثورية خلفية، تفسر صعود بونابرت وتمجيده بطلاً، انطلاقاً من فرضية مؤداها أن حكم الاستبداد أوصل البلاد إلى حافة الهاوية، واستوجب بالضرورة تعيين قائد عسكري يدافع عن الثورة ليقضي على الخونة والمجرمين!

ينتمي فيلم «المارسيليز» إلى المخرج المُهم الموهوب جان رينوار، الذي كانت فكرته عن «نشيد يرمز إلى امة»، وتأتي صدقيته من استناد رينوار إلى وثائق جادة، ألهمته العديد من التفاصيل التاريخية، إضافة إلى استعماله عناصر تاريخية مثل الحوار والخطابات السياسية.

يشير جان كلود كاريير كاتب سيناريو فيلم «دانتون»، الذي تناول موضوعه السلطة السياسية وتصوراتها ومخاطرها، إلى أن إعادة كتابة الماضي الذي نسميه التاريخ، تتلّون وفق أهواء الحاضر، وأن أهمية أي فيلم تاريخي، لا تأتي إلا من انتمائه إلى يومنا الحاضر، لهذا كان لتأثير المشكلات السياسية في بولندا، منذ إعلان الجنرال ياروزلسكي الأحكام العرفية في ديسمبر 1981 أكثر وضوحاً في مغزاه، رغم أن دانتون، حسب تأكيد فايدا، الذي كان ينتمي إلى «حركة التضامن» ليس هو ليش فاليسا وروبسبير ليس هو الجنرال ياروزلكي، لكن ما كان لهذا الفيلم أن يأتي قبل أحداث ديسمبر 1981 بهذه الدرجة من العمق.

من أين تأتي راهنية الأفلام التي تتعرض لأحداث التاريخ؟ يرى مترجم الكتاب التونسي محمد علي اليوسفي، أنها تأتي من مسألة قد تهمنا نحن، ألا وهي استحضار «تاريخنا الخاص»، من دون أن نتجاهل في تحقيق أفلامنا رسم الحدود الممكنة بين الدقة التاريخية والتخييل.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر