5 دقائق

نبحث عن «ثقة»!

ميره القاسم

كل شيء يهون في هذه الحياة.. الصبر على عضة الجوع.. احتمال أصحاب الوجوه الخشبية حين نلقاهم في الصباح بتحية ملؤها المودة والإكبار، فيبادلوننا ابتسامة ناشفة مثل رغيف خبز قديم.. مهادنة مدير قاس جلّ همّه الحفاظ على الكرسي.. مسايرة خادمة لئيمة خشية هروبها.. ملاطفة موظفة ثقيلة بطيئة في إنهاء مصلحة لنا.. إلخ. غير أن الذي من الصعب احتماله هو المرض، من منا لم يذهب إلى الطبيب شاكياً إليه أوجاعه الجسدية بعد الله عز وجل؟ ومن منا لم يجرب وصفة طبية فاشلة، أو تشخيصاً خاطئاً وصرف دواء لا فائدة ترجى منه؟ أعتقد أننا جميعاً نعاني أزمة كبيرة تحتاج إلى حل ينهي هذه المشكلة.

حالة عامة أعيشها حين ألتقي صديقاتي أو أهلي ونتحدث عن التشخيص الخاطئ الذي قرره وبثقة الطبيب الفلاني بمستشفى كذا الحكومي أو الخاص، فهل من المعقول أن كل هذه الصروح الطبية والخبرات الأجنبية والأجهزة الحديثة غير قادرة على تحديد طبيعة شكوى المريض؟! لقد سخّرت الدولة خلال السنوات الماضية، بل منذ البداية، كل إمكاناتها المادية من أجل إنشاء المراكز الطبية التي تضاهي في تصاميمها أعتى المراكز العالمية، واستقدمنا من كل دول العالم أمهر الأطباء، كما هو مثبت في لوحات المستشفيات البراقة التي تفاجئك حين تدخلها بتحية الصباح مصحوبة بهالة من المعلومات حول ميزات هذا الطبيب، وخبرات تلك الطبيبة، والمريض كالحائر، لمن يذهب؟ للطبيب الخبير «راعي العيون الزرق»؟ أم إلى المستشار «راعي الشعر الأحمر»؟ وما أكثر الخبراء والمستشارين في بلادنا، أم لـ«ولد البلاد» الذي يواجَه بعدم ثقة من الغالبية، والسبب أنه «محلي» لا يتمتع بعين زرقاء ولا بأي لون من ألوان قوس قزح! - ذلك أننا لم نتخلص من عقدة المستورد - وهل العيادة الطبية التي تحوي مجموعة من الأطباء الأجانب أفضل أم المستشفى الذي يجمع خبرات مختلفة من دول عربية وآسيوية وإفريقية وأوروبية؟!

الحكايات المؤلمة المتجسدة في التشخيص الخاطئ كثيرة، لا تقل في وجعها عن الوجع الذي نعيشه كل يوم في التنقل من عيادة إلى عيادة، ومن طبيب إلى آخر،

والتشخيصات لا تصب في مصلحة المريض، لأنهم لم يتفقوا على تشخيص واحد! ومن ثم اتساع رقعة الألم، لعل المرضى ينتقلون إلى الرفيق الأعلى في أقرب فرصة عملاً بمقولة: «إن الرحمة أولى لهم في مثل هذه الظروف».

قد يكون مقبولاً أن يخطئ مدرس في معلومة، لكن أخطاء الأطباء لا تغتفر لأنها ببساطة تتعلق بأرواحنا، ولن نقبل أن نكون حقل تجارب لأطباء يخطئون إما عن جهل أو إهمال أو إرهاق، فأعداد المواطنين المرضى الذين يذهبون إلى الخارج بحثاً عن تشخيص سليم في تزايد بعد أن عجزت مستشفيات الدولة بكل إمكاناتها عن اكتشاف مرض بسيط، ولعل هذا يدعو الجهات المسؤولة إلى الكشف عن الخلل وأين يكمن، في الأطباء أم في الأجهزة أم فينا نحن؟!

ألم يحن الوقت لإجراء إحصاءات حقيقية توضح لنا الحالات التي تم تشخيصها بصورة خاطئة، ومعرفة عدد الهاربين من مستشفياتنا بحثاً عن ثقة تضمد آلامهم؟!

 

تويتر