أبواب

شبح شهرزاد

قيس الزبيدي

لايزال «الليالي» يعد بمنزلة «ترتيلة لسحر القص وقوة الأدب»، ولايزال شبح سيدة الأدب السلطانة شهرزاد يتجول في عالم الأدب والنقدين العربي والعالمي، ولانزال نتعرف في الدراسات النقدية المعاصرة إلى بصمتها القوية في تقاليد السرد و«فن الحكي».

لا تفتح شهرزاد حكاياتها إلا بعبارة «بَلغني»، فهي لا تستعمل «زَعموا»، كما هي الحال في كليلة ودمنة، أو«حَدثنا» كما في سرد المقامة، لأنها حريصة على الاستحواذ على انتباه الملك شهريار، والإنصات لها على امتداد ألف ليلة من دون أن يفطن لدهاء سردها وقدرتها التي لا تجارى على المطاولة والمصاولة وتأجيل بقية الحكاية، كل ليلة، لأنها إنْ روتها كاملة، فيعني ذلك انتفاء مبرر وجودها، وموتها، ما يقود مسعاها في الختام إلى تغيير خطته الشريرة في الانتقام والتراجع عن قراره بالقتل المُخطط.

عرف الباحث الألماني غ. غيسثنفيلد بالنموذج السردي لـ«الليالي، وكشف فيه كيف أن شهرزادٍ كانت تستعمل تقنية مؤثر «حبس الأنفاس» الذي أصبح وسيلة تعمل في الدراما التلفزيونية على ربط المتفرج وشده إلى متابعة أحداث الحلقات المقبلة. ولم تكن شهرزاد تكتفي، في كل ليلة، بالتوقف عن سرد الحكاية إلى النهاية، إنما كانت تبدأ أيضاً في داخل كل حكاية برواية حكاية أخرى لا تنهيها، لكي تستعين فيها شخوصها، أيضاً، بالحكي، لإنقاذ أتي بعد نفسها من عقاب الموت.

يلفت الباحث الألماني كنورت هيكيتير الانتباه إلى أن شهرزاد تعد دائماً أن أفضل ما في حكايتها سيأتي بعد، لأنها كانت تقص وتعد بأن كل شيء سيأتي أكثر إثارة، فقادها فن الحكي إلى الانتصار على الموت. كذلك يحاول أدولف غلبر أن يثبت في كتابه عن الليالي، أنها مجموعة حكايات غنية ومتنوعة الاشكال، لكنها تتألف من سلسلة حكايات ذات اشكال متنوعة، وتجعل من تجزئة أنواعها جسماً واحداً ووحدة فنية متكاملة.

حاول الكاتب عبدالملك مرتاض في دراسته عن «ألف ليلة وليلة» تقديم نبذة أولية عن علم السرد، ليكشف غنى أشكاله في «الليالي»، بحيث يمكن اعتمادها أصولاً وقواعد في السرد العربي الحديث، ويذكر بعض العناصر السردية التي جرى الانتباه إليها في الدراسات المعاصرة، مثل الارتداد والتداخل والرؤية من الخلف والرؤية المصاحبة والمونولوج الداخلي، إضافة إلى ما يسمى اليوم التغذية السردية. من جهته ينوّه الكاتب محمود طرشونة بأن الاستعانة بالأشعار في «الليالي» تمارس، أيضاً، وظيفة مهمة في الحكايات، فالأشعار تعوّض عن الوصف والتعاليق، وتجلب الانتباه بواسطة وقعها وموسيقاها، وتمنح فرصة للراحة، بعد الجهد الذي يُبذل في تَتبعِ أحداث الحكاية.

لا أحد من نقاد العربية وباحثيها، يرى الدكتور عبدالملك مرتاض، خص تقنيات السرد في الليالي بكتابة نظرية مستقلة، وينسب ذلك إلى تخلف النقد العربي عن النقد العالمي، ويرى إن لفت الانتباه والعودة إلى دراسة هذا الكتاب، الذي يشكل مصدراً سردياً بالغ الغنى والتنوع، والذي يمكنه من دون شك أنْ ينفع الجهود الرامية إلى تأسيس معرفة عميقة بجوهر السرد المُدون فيه ووضع نتائج مثل هذه الدراسة أمام كتابة جديدة، ليس فقط لنصوص المسلسلة التلفزيونية، إنما كتابة كل أنواع الحكايات، سواء كانت تكتب لوسيط أدبي أو لوسيط سينمائي.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر