أبواب

العين «خذّت الفوادي»

سالم حميد

عُرف عن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عشقه واهتمامه الكبير بالصقور، وتردّد اسمه كثيراً منذ ستينات القرن الماضي على أنه أحد كبار الصقارين في العالم، وبمجرد أن علم عدد كبير من الصقارين الغربيين أن الشيخ زايد رحمه الله بصدد زيارة النمسا في صيف عام ،1975 تجمعوا في العاصمة النمساوية فيينا، ثم توجهوا نحو مقر إقامته وهم يحملون صقورهم على أيديهم، ثم طلبوا من سموه أن يحافظ على رياضة الصقارة العربية العريقة من الاندثار، ووعدهم سموه خيراً.

وبمجرد عودته، رحمه الله، إلى أبوظبي أخذت الاتحادات الدولية للصقور في أوروبا وأميركا في إرسال الرسائل إلى الشيخ زايد للموضوع نفسه، حينها أمر بإقامة مؤتمر دولي فريد من نوعه تحت اسم «مؤتمر الصداقة الدولي للصيد بالصقور» عام 1976 في أبوظبي، وتحديداً في مكان قريب من جسر المقطع، تجمّع فيه أكثر من 200 خبير بشؤون الصقور والصيد بها ووسائل علاجها، كما شمل الاتصال أيضاً المتاحف والمكاتب العالمية المختصة بشؤون الصقور، وبدأ الاتصال من اليابان وانتهى بالأميركيتين، وطُلب منهم تزويد المؤتمر بالكتب والمخطوطات القديمة واللوحات الفنية عن الصقارة، وبالفعل آتى الاتصال ثماره، بل إن الجهات الدولية كانت سعيدة للغاية لمشاركتها في تلك المبادرة الفريدة، وتم إنشاء معرض في ساحة المهرجان اشتمل على تحف نادرة تعود إلى القرون الوسطى وتحديداً إلى عام ،1215 تمت استعارتها من مختلف متاحف العالم، هذا بخلاف الاستعراضات الحية للصيد بالصقور والندوات والمحاضرات المصاحبة للمهرجان والتي تطرقت إلى شؤون الصقور كافة.

عام ،1976 هو العام الذي قامت فيه الإمارات بتعريف نفسها إلى بقية دول العالم على أنها دولة أبناؤها لهم اختصاص وباع طويل في فن الصقارة، وعرض القائمون على المهرجان أساليب أهل الإمارات، وعلى رأسهم الشيخ زايد، في كيفية تدريب الصقور لينتهي به ويصبح صقراً صياداً، وبلغت الدقة في الأساليب التي عرضها الصقارون الإماراتيون أن طلبت معظم الهيئات العلمية، المشاركة في المهرجان، دراسة أسلوب الصقارة في الإمارات للاستعانة به في دراساتهم ومؤلفاتهم، وبعد نهاية المهرجان وعودة المشاركين فيه من مختلف دول العالم إلى بلدانهم، عبروا في رسائل أرسلوها للقائمين على المهرجان عن امتنانهم للشيخ زايد على الهدية التي قدمها لهم بإقامة هذا المهرجان، وإتاحة الفرصة لهم لتعلّم فن الصقارة الإماراتي.

الأيام الأخيرة من عام 2011 شهدت إعادة إحياء ذكرى مهرجان ،1976 أي بعد مرور 35 عاماً على المهرجان الأول، وتحت اسم قريب من الأول بعنوان «مهرجان الصداقة الدولي الثاني للبيزرة» بمبادرة جميلة من هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، تلك الهيئة الحكومية التي استطاعت، ومن دون مجاملة، إيصال التراث المحلي إلى العالمية، فبخلاف مهرجانات جميلة مثل مزاين الإبل والرطب والبيزرة، استطاعت الحصول على بعض الاعترافات من «اليونسكو»، أبسط ما نستطيع ذكره «السدو»، أي مهارات النسيج التقليدي في الإمارات.

لم أشهد مهرجان البيزرة الأول، لأنني كُنت حينها أبلغ من العمر عاماً واحداً وبضعة أشهر، لكنني شهدت الثاني في مدينة العين، وتذكرت كلمات جدي رحمه الله عن المدينة التي وُلد فيها: «العين خذّت الفوادي»، وأخذت فؤادي أنا أيضاً.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 
تويتر