أبواب

الواقعية السحرية في السينما

قيس الزبيدي

ربما لا يعرف إلا القلة تلك العلاقة الوثيقة بين غابرييل غارسيا ماركيز والسينما. صحيح أن بعض رواياته مثل «حكاية موت معلن» وأخيراً «الحب في زمن الكوليرا» تم تحويلها إلى السينما، لكنه كتب سيناريوهات كثيرة وألف كتابه «مهمة سرية في تشيلي» عن المخرج ميغيل ليتين، وانصرف منذُ زمن طويل إلى إعداد ورشات لتطوير القصص والحكايات في مدرسة سان انطونيو دي لوس بانيوس الدولية للسينما والتلفزيون، التي تحول فيها «ابتداع الحكايات الجماعية إلى نوع من الإدمان»، ليتم تحويل الحكايات، بعدئذ، إلى سيناريوهات في ورشة ماركيز الدائمة في المكسيك، والهدف من ورشاته دعم المدرسة مالياً. من هنا لم يكن اختياره لرئاسة لجنة تحكيم مهرجان كان في عام ،1982 بسبب قيمة أعماله الأدبية فقط، إنما أيضاً لدوره الفعال في السينما.

لماذا الورشة؟

يرى ماركيز في كتاب ورشته «كيف تُحكى حكاية» ترجمة صالح علماني، أن هناك مناهج كثيرة لكتابة السيناريو، لكن كل حكاية تحمل معها تقنيتها، والمهم بالنسبة لكاتب السيناريو أن يكتشف تقنيتها الخاصة. ويجد أن الورشة لعبة: «ندرس فيها ديناميكية الفريق مطبقة على الإنتاج الفني، أنها عملية ومضة ذهنية تطبق على قصة، على فكرة، على صورة على أي شيء يتحول إلى فيلم. وهكذا أصبحنا نرى، من خلال النقاش، كيف أن جميع هذه العناصر تتجمع في ما بينها وتتكامل مثل لعبة «القطع التركيبية». في الورشة يشتغل الجميع على القصة، لكن يتم في النهاية اختيار واحد من أفرادها ليكتب السيناريو ويصبح صاحبه. لكن عندما ينتقل السيناريو إلى الشاشة يصبح المُخرج صاحبه: «لست ادري كم من السيناريوهات كتبت، بعضها جيد وبعضها سيئ، لكن ما كنت أراه على الشاشة من صور، لم تكن إطلاقاً الصور التي تصورتها. كل مخرج يصنع المشاهد على طريقته. لهذا يتوجب على كاتب السيناريو أن يتقبل هذا الأمر، إذا ما أراد أن يبقى كاتباً للسيناريو».

لماذا السيناريو؟

ماركيز يسأل أيضا: «هل يستطيع المخرج أن ينزل إلى الشارع حاملاً كاميرته، لكي يصور فيلمه بصحبة بعض الممثلين؟ إذن طالماً لا يستطيع أن يصور فيلمه دون سيناريو، فإن السينما، «الروائية» تحديداً، «تبقى خاضعة للأدب».

يحلم كثيرٌ من كتاب السيناريو أن يصبحوا مخرجين، لأنه يتوجب على جميع المخرجين، أن يكونوا قادرين على كتابة السيناريو، لكن تبقى الحالة المثالية أن يقوم المخرج وكاتب السيناريو معاً بكتابة النسخة النهائية للسيناريو.

وحول حصوله على جائزة نوبل يقول ماركيز: «لا يوجد إبداع حقيقي دون مجازفة، دون مقدار من الارتياب. على هذا حينما علمت أنهم قرروا منحي جائزة نوبل، فكرت: يا للعنة لقد صدقوا الأكذوبة! إن جرعة من عدم اليقين كهذه رهيبة جداً، لكنها ضرورية لعمل شيء جدير بالعناء».

وبالنسبة لدعمه ورعايته للمدرسة كان ماركيز يصر على أن تُنظم فيها دورات دراسية للإنتاج الإبداعي، لتغيير الاعتقاد الشائع بان المنتج هو الذي يوجد ليمنع المخرج من إنفاق المال قبل الوقت المحدد. وكان هدفه من الدراسة الإبداعية أن يصبح المنتج ليس مجرد رجل أعمال وممول، بل يتطلب عمله مُخيلة ومبادرة وجرعة من الإبداع، لا يمكن للفيلم من دونها إلا أن يخسر.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر