أبواب

صفحة مطوية بالدماء

سالم حميد

نستكمل ما توقفنا عنه الأسبوع الماضي، بعد نجاح الإنجليز في تدمير مدينة رأس الخيمة، قاموا بأسر مئات الأهالي من رجال ونساء وأطفال، وتم سجنهم في الحصون، ثم اندفعوا فوراً للقيام بأعمال سلب ونهب المنازل، وقاموا بالاستيلاء على نحو 80 سفينة راوحت حمولتها ما بين 40 و250 طناً، ونحو 70 مدفعاً أرضياً، ووفقاً لشركة الهند الشرقية قُدرت قيمة المسروقات التي نفذها البريطانيون بنحو 277 ألف روبية هندية.

في يوم 18 ديسمبر 1819 توجهت الحملة البريطانية المسعورة إلى بلدة الرمس، وكان في انتظارها نحو 400 مقاتل من أهاليها، وفي اليوم التالي بدأ التراشق المدفعي بين الطرفين واستمر لمدة خمسة أيام، تم فيها تدمير البلدة ثم وقع الاشتباك المسلح، وبلغ عدد الجنود البريطانيين الذين تم إنزالهم بأكثر من 1500 مقاتل، فكانت معركة غير متكافئة انتصر فيها الإنجليز. ومن تبقى على قيد الحياة من مقاتلي الرمس بلغ عددهم نحو ،177 تم أسرهم وإرسالهم إلى مدينة رأس الخيمة لسجنهم هناك، ثم توجهت الحملة إلى أم القيوين وعجمان والشارقة ودبي، وتم قصفهم وتدمير سفنهم وحصونهم، لكن من دون إنزال بري، ويعود السبب على ما يبدو للإنهاك الذي تعرض له الإنجليز ومرتزقتهم، واختتمت الحملة أعمالها الوحشيـة بتدمير السفن المدنيـة لإمارات الساحل في البر الفارسي.

اشترطت بريطانيا على جميع مشيخات إمارات الساحل مقابل إطلاق سراح سجناء رأس الخيمة بالموافقة المبدئية على توقيع معاهدة سلام تتم صياغتها لاحقاً في يناير ،1820 ووافقت المشيخات وتم إطلاق سراح السجناء قبل التوقيع. وهذا يدل على مدى حجم التآخي التاريخي والحزن والمصير المشترك بين المشيخات قبل وحدتهم في كيان واحد بـ151 عاماً، رغم أن السجناء كانوا من مشيخة واحدة فقط وليس من جميع المشيخات. وقبل أن تغادر الحملة تركوا حامية لهم في رأس الخيمة قوامها 800 جندي هندي مرتزق، كانت وظيفتهم إكمال تدمير كل الحصون والدفاعات في المدينة، وهذا ما تم الانتهاء منه بتاريخ 26 ديسمبر ،1819 وقد أثارت المجزرة البريطانية سخط مسلمي الهند، وأعلنوا الجهاد ضد حكومة الهند البريطانية، ونشبت فيها العديد من الثورات، ما دفع بالبريطانيين إلى مراجعة سياستهم نحو مسلمي الهند.

اعتباراً من يوم الثامن من يناير 1820 وما تلاه من أيام، بدأت بريطانيا فرض معاهدة الإذعان «1820» لكل مشيخة على حدة، ونصت بنودها على تسليم كل الحصون والقلاع والمدافع في إمارات الساحل لبريطانيا لتدميرها، ومنع صناعـة السفن الحربيـة، والاكتفاء بسفن الغوص وصيد الأسماك، مع احتفاظ كل سفينـة بوثيقـة خاصة (ملكية) تبين مواصفات السفينة، وتسليم كل الأسرى الهنود إن وجدوا، ووقف كل أعمال «القرصنة» البحرية، حسب تزويرهم للتاريخ طبعاً وتبرير حملتهم الوحشية، وتقوم كل إمارة بتغيير علمها بحيث لا يتجاوز العلم اللون الأحمر مع حاشية بيضاء، ولاتزال تلك الأعلام تُستخدم حتى يومنا هذا في إمارات الدولة، وتعد الأعلام الأكثر قدماً على مستوى الوطن العربي، كما نصت البنود على تعيين مندوب للحكومة البريطانية في إمارات الساحل.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر