أبواب

سينما العالم الثالث

قيس الزبيدي

اكتسب مفهوم العالم الثالث دلالة واضحة مع مؤتمر «باندونغ» لدول عدم الانحياز في عام ،1955 وكان قبل ذلك ينطلق تعريفه من سيطرة القوى الاستعمارية، أو الكولونيالية، على بلدان تشترك بتبعيتها الاقتصادية للرأسمالية المتقدمة.

يتناول كتاب «سينما العالم الثالث والغرب» لروي ارمز، وترجمة أبية حمزاوي ـ مكتبة الإسكندرية/2002 ـ بعض العوامل التي تحدد صناعة الفيلم وتطوره في العالم الثالث: طبيعة البنى الاجتماعية التي تشكل بقوة العرف والتقاليد، تأثير الاستعمار وظهور طبقة حاكمة متعلمة تعليماً غربياً ودور سيطرة شركات التوزيع الرأسمالية على السينما.

إن تقييم خصائص صناعة السينما وتطورها في البلدان العربية والآسيوية والأميركية اللاتينية، منذ الثلاثينات، أمر عسير للغاية، خصوصاً أن الأفلام التي كانت تنتجها، صُنعت لتكون، أصلاً، سينما محلية لجمهور صُنع خصيصاً ليقبلها بحماس، كما أن مثل هذه الدراسة التي تتناول بمثل هذا الاتساع سينما العالم الثالث من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، لابد أن يواجه مشكلات عدة.

ليس أمامنا هنا إلا أن نتوقف عند بعض المحطات التي لعبت دوراً حاسمًا في صناعة السينما المصرية ورسمت معالمها، خصوصاً أنها كانت الصناعة العربية التي لم تنشأ خارجها أي صناعة سينمائية عربية أخرى، إلا بعد الحرب العالمية الثانية.

يخصص الكتاب من مجموع 240 صفحة 20 صفحة للسينما في مصر والعالم العربي! ويخصص الفصل الرابع لستة مخرجين، يدرسهم وفقاً للسياق الاجتماعي والثقافي الخاص بكل واحد منهم، ومن بينهم ساتيجات راي ويوسف شاهين وعثمان سمبين.

تصاعد النضال المصري من اجل الاستقلال بعد ثورة ،1919 وترسخ مفهوم الوطنية، وانعكس في قوانين جديدة تنص على تمصير مصر، وأسس الوطنيون «بنك مصر» عام 1920 الذي استطاع أن يسيطر على الاقتصاد، واستمر دعمه العظيم للصناعة الوطنية حتى تاريخ تأميمه في عام .1960 وفي فترة دخول الصوت إلى السينما استطاع مدير البنك طلعت حرب أن يؤسس عام 1935 استوديو مصر، بإشراف فريق اكتسب تدريبه في فرنسا وألمانيا ليكون القاعدة الأساس في خلق صناعة سينمائية حديثة. وظهرت، على الرغم من توجه الإنتاج التجاري، بعض الأفلام الواقعية المهمة، كان أشهرها فيلم كمال سليم «العزيمة». لكن الأزمة التي لحقت بالإنتاج جاءت من أن 60٪ من المصريين كانوا لا يعرفون الأفلام المصرية، خصوصاً أن مشاهدة الأفلام اقتصرت على سكان المدن الذين كانوا يفضلون مشاهدة أفلام هوليوود.

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ظهرت «سينما أثرياء الحرب» التي تضاعف عدد مخرجيها الذين كانوا يخضعون لقيود رقابة صارمة. وبعد أن تسنى لثورة يوليو 1952 السيطرة على مجمل الاقتصاد، قامت بتأميم بنك مصر، وأنشأت في عام 1961 «المؤسسة العامة للسينما» التي أنتجت أهم الأفلام المصرية مثل «الحرام» لبركات و«البوسطجي» لحسين كمال و«المتمردون» لتوفيق صالح و«القضية» لصلاح أبوسيف و«الأرض» ليوسف شاهين. وعلى الرغم من ازدهار إنتاجها الذي وصل إلى نحو 40 ــ 50 سنوياً، إلا أنها توقفت عن الإنتاج في عام ،1971 بسبب خسارتها التي بلغت نحو خمسة ملايين جنيه مصري.

ربما نستطيع أن نقول إن أغلب صانعي الأفلام في هذه البلدان، كانوا يصنعون الأفلام كما تصنع الأحذية، وإنهم صنعوا بهذا جمهوراً يناسب «مقاسات» الأفلام التي صنعوها.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر