أبواب

كي لا ننسى

سالم حميد

يشهد يوم غد الجمعة 4 نوفمبر 2011 مرور الذكرى الـ192 على خروج أكبر حملة عسكرية بريطانية مسعورة عرفتها «إمارات الساحل»، إذ شهد ميناء بومبي الهندي في ذلك اليوم من عام 1819 استعدادات وحركة عسكرية ضخمة على غير العادة، لارتكاب جريمة بحق الإنسانية ومجزرة مروعة بأهالي رأس الخيمة، وجمعت بريطانيا أساطيلها المحمّلة بأحدث المدافع الضخمة، وأكثر من 3000 عسكري بريطاني، وفوج الملك الـ47 والـ،65 وفرقة مشاة الكتيبة الأولى، وغيرها من الفرق والكتائب. وبخلاف آلاف الجنود البريطانيين تمت الاستعانة أيضاً بمئات المرتزقة من أوروبيين وهنود، لكن على الرغم من ضخامة الحملة البريطانية، التي كانت تحت قيادة الجنرال ويليام جرانت كير، لم تكن حكومة الهند البريطانية واثقة بقدرتها على الوقوف بندية أمام أساطيل رأس الخيمة، حيث سبق للأسطول البريطاني وغيره من الأساطيل الأخرى في المنطقة التعرض للهزائم المتكررة أمام رأس الخيمة، وخشية أن تنهزم بريطانيا مجدداً، قامت بإجراء اتصالات مع دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط، كانت على عداء مع رأس الخيمة، وتكوين تحالف عسكري مخيف، لم تشهد له «إمارات الساحل» مثيلاً، ومن ضمن تلك الاتصالات إرسال بريطانيا مبعوثاً إلى إبراهيم باشا، نجل محمد علي باشا حاكم مصر، في المدينة المنورة، وطلبوا منه الاشتراك في الحملة، مقابل حصوله على حامية عسكرية في رأس الخيمة، في حال انتصارهم، لكنه اعتذر بسبب الوضع غير المستقر للقوات المصرية في شبه جزيرة العرب، لكن الاعتذار المصري لم يؤثر في الحملة، واستطاعت بريطانيا على مدى الأيام والأشهر التالية تشكيل تحالف عسكري ناجح، وجمعت نحو 8000 محارب مدجج بالسلاح، وكانت نقطة التجمع جزيرة القسم (قشم حالياً)، ومن هناك انطلقوا نحو رأس الخيمة لارتكاب مجزرتهم المروعة، التي استمرت ثلاثة أسابيع، قاتل فيها أهالي رأس الخيمة قتال الأبطال، وانتهت يوم 9 ديسمبر ،1819 وأمام هول الجريمة البريطانية وافقت بقية مشيخات إمارات الساحل على إبرام اتفاقية السلام (1820) الشهيرة في تاريخ الإمارات، خشية أن تتعرض المشيخات لما تعرضت له رأس الخيمة، تلتها اتفاقات إذعان عديدة، لم نتخلص منها إلا عام 1971 بقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، أي بعد مرور 151 عاماً من العنجهية البريطانية.

لا اتفق مع العبارة القائلة «التاريخ يكتبه المنتصر»، وكأن المنهزم لا يمتلك الحق في كتابة تاريخه، وتبرير أسباب هزيمته أمام السلاح البريطاني المتطور، وبالاطلاع على أغلب الأرشيفات الدولية التي جاء لاسم مشيخات الإمارات ذكر فيها، لم نجد أرشيفاً مثل الأرشيف البريطاني ينفرد بصوغ ما يريد حسب وجهة نظره فقط، وحسب ما يخدم مصالحه، ودليل آخر على ذلك، استعانته بالفرس والهنود لتدوين الأحداث المحلية في مشيخات الإمارات، واحتوت تدويناتهم على الكثير من التلفيقات، أشهرها «ساحل القراصنة»، وهو أيضاً عنوان كتاب استعلائي، مملوء بالمبالغات والمغالطات، كتبه المستشار البريطاني تشارلز بالغريف، ونُشر عام ،1966 لكن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، أحسن الرد على البريطانيين بكتاب له باللغة الإنجليزية تحت عنوان «أسطورة القرصنة العربية في الخليج»، وبالاطلاع أيضاً على موسوعة «دليل الخليج» للمؤرخ والجغرافي جوردن لوريمر، نجد اللغة الاستعلائية واضحة تماماً..

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر