أقول لكم

محمد يوسف

فجر الأمس كان مختلفاً، رائحته كريهة، طعمه يدعو إلى الغثيان، صحيفة مكللة بالسواد، قاتمة، حزينة، ليتني لم أبحث عنها، ليتني انشغلت بأي شيء أو لم أصحُ باكراً، صعب أن تعتقد أن يومك سيكون هادئاً، وتكون وحيداً، وتصدمك صورة تحب صاحبها، بينك وبينه ود قديم، وبضع كلمات لا تقرأوها، يكفيك ذلك الإطار الأسود، يسحب آهة طويلة من داخلك، ويطلق سيل الدمع، حزناً أو دهشة أو أسى على فقد عزيز.

رحل محمد خليفة بن حاضر، انطفأت الشمعة التي أنارت درباً من دروب هذا الوطن، وكم كان الوطن سعيداً به وبأبناء جيله، الرجال الذين كانوا يشتعلون عطاء وبذلاً منذ البدايات، وابن حاضر كان حاضراً في عمله العام، وكان حاضراً في إبداعاته الشعرية المتميزة، وكان حاضراً في طرحه القضايا الوطنية والاجتماعية، في قصيدته تسمع أعذب الكلمات عندما يتغنى حباً في الأرض والأهل وصناع تاريخها، وفي النقاشات تجده حاداً متحمساً لأنه دائماً يبحث عن الأفضل.

عرفته سنوات طويلة من دون أن أراه، تابعت ما يكتب عندما كان قلة من المواطنين يكتبون في الصحف، وحرصت دوماً على أن أتابع ما تجود به قريحته من شعر، ثم تواصلت معه عبر الهاتف سنوات من دون أن أراه، كان يناقشني في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات في ما أكتب، ويتبادل معي الرأي حول كثير من القضايا، ولم ألتقه سوى في منتصف التسعينات، بضع مرات كانت كافية لأعرف كم كان هذا الرجل مثقلاً بهموم أمته ومنطقته ووطنه، ولا أذكر آخر مرة التقينا أو تحدثنا فيها مع بعضنا، ربما مرت سنوات طويلة، لكنني عندما رأيت صورته يوم أمس مؤطرة بالسواد أحسست بأنني أفقد شيئاً مني، من حياتي، ومن تاريخ وطني، فهذا واحد من الرواد يترجل، ويرحل بعيداً.. رحم الله محمد خليفة بن حاضر.

myousef_1@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر