في الحدث

السودان.. ودرس انفصال الجنوب

جعفر محمد أحمد

أكاد أجزم بأن السودانيين ومعهم العرب من المحيط إلى الخليج لمحزونون على انفصال جنوب السودان عن الشمال، والذي سيدخل حيز التنفيذ بعد التاسع من يوليو المقبل. أول من يحزن هو الرئيس السوداني عمر البشير، الذي أقر بذلك قبل الاستفتاء عندما قام بزيارة نادرة الى مدينة جوبا قبل خمسة أيام من بداية الاستفتاء في التاسع من يناير الماضي، وتعهد وقتها بقبول نتيجة استفتاء تقرير المصير أياً كانت، وحدة أو انفصالاً، مؤكداً أنه سيكون حزيناً شخصياً إذا اختار الاخوة في جنوب الوادي الخيار الثاني الذي لم يخطر على البال وقت توقيع اتفاقية نيفاشا في التاسع من يناير ،2005 حتى من قبل الجنوبيين أنفسهم وعلى رأسهم زعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق الذي طالما رفع شعار « السودان الموحد الجديد » ولم يكن انفصاليا بل وحدويا رغم سنوات الحرب الطويلة والعداء مع الشمال. البشير كان يأمل ويراهن على ان ينحاز الجنوبيون الى خيار الوحدة الجاذبة، وهو الشعار الذي رفع عند توقيع اتفاقية السلام قبل ست سنوات، والذي تحول اخيراً نتيجة خلافات شريكي الحكم، « الحركة الشعبية »، و« حزب المؤتمر الوطني »، من حلم الى سراب انتهى أخيراً الى الانفصال.

من الطبيعي ان يتحول وعد البشير السابق بالتعاون مع الجنوب الى تهديدات قبيل الانفصال الوشيك، وليس مستغرباً قول الرئيس السوداني أخيراً إنه لا يستبعد احتمال نشوب حرب جديدة بين الشمال والجنوب بسبب ما أسماه وجود قنابل موقوتة تؤجج الصراع بين الطرفين، خصوصاً في ظل تجاوز الحركة الشعبية لاتفاق السلام وبروتوكول أبيي الموقع بين الطرفين وعدم التزامها بتنفيذ الترتيبات الأمنية، وتعطيلها عملية ترسيم الحدود بين شمال السودان وجنوبه، وهو ماظهر جلياً في أحداث أبيي الاخيرة، وكذلك المواجهات المسلحة في جنوب كردفان.

اخيراً انضم ملف النفط الى قائمة القضايا التي تعوق سعي الشمال والجنوب الى فك الارتباط بينهما ، قبل أن يتحول شطرا السودان الى دولتين منفصلتين.

هذا الملف الساخن قفز فجأة إلى واجهة الخلاف، كونه المورد الرئيس الذي سيعتمد عليه كل من شمال السودان والدولة الناشئة في الجنوب، دفع البشير الى التهديد بإغلاق خط الأنابيب الذي يمر عبر الشمال إذا رفض الجنوب سداد رسوم النقل أو مواصلة اقتسام عوائد النفط بعد الانفصال.

خيارات البشير الثلاثة التي طرحها خلال زيارته الأخيرة لمدينة بورتسودان، للتعامل مع نفط الجنوب، متمثلة في قسمة العائدات البترولية بين « البلدين » أو إيجار الأنابيب بالسعر الذي يرضي الخرطوم، أو إغلاق الأنابيب، على أن يبحث الجنوب عن طريقة لتصدير بتروله. هذه الخيارات التي قالها باللهجة العامية مخاطباً الجنوبيين « يا حقنا بترول، يا رسوم، يا يشوفوا ليهم حتة ( مكان ) يصدروا بيها بترولم ( بترولهم )»، قوبلت بانتقاد ورفض من حكومة الجنوب التي اتهمت الخرطوم بالمساومة لرفع سقف التفاوض، وفتحت الباب على مصراعيه أمام كل الاحتمالات، بما فيها العودة الى مربع الحرب، ولتكن تأكيدات البشير الاخيرة بأن السودان « لن يفرط في شبر واحد من أراضيه »، هي الدرس الذي تعلمناه من انفصال الجنوب.

jaafar438@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر