5 دقائق

أسلحتهم ليست بيضاء

ميره القاسم

شباب في مقتبل العمر.. في ريعان الصبا.. لكنهم الآن يحلقون بعيداً بعيداً، تتشبث بهم إعاقات دائمة، لأسباب تدمي القلوب، هؤلاء لم يكونوا ضحية حادث طريق لسائق طائش أو سقوط من بناية عالية أو إصابة سكتة قلبية.

رحلوا عن دنيانا أو شُوهوا إثر تلقيهم طعنات من أصدقاء لهم.. أحباء وزملاء دراسة.. ورفقاء عمر و«فريج».. هل تذكرون محمد علي حسين؟ ذاك الشاب الذي تلقى 11 طعنة من مراهقين وشباب أثناء جلوسه أمام منزله، وتوالت الأحداث ولم يمر أسبوع واحد حتى قرأنا خبراً مماثلاً لشباب يقتلون بعضهم لوشاية ما.. لجرح ما .. في هذا الصدد يمكن للمرء أن يتفهم صعوبة المرحلة الحرجة التي مر بها المراهق القاتل وميله إلى تأكيد الذات ورفض نصائح الكبار وربما الحنق على الأسرة أو المجتمع في بعض الحالات. ويمكن البحث عن أسباب ذلك في طبيعة المرحلة وتغيراتها مع علماء النفس والاجتماع حين يدرسون شخصية المراهق.. لكن ما لا يمكن فهمه أن يصل الأمر إلى حد العنف الذي يؤدي إلى القتل! هنا، لا يصبح الموضوع متعلقاً بالمراهق وانفعالاته وسلوكياته غير المتوازنة، بل يتعلق بتربية خاطئة وإهمال من الأسرة و«تفويت» من المدرسة وغياب الوازع الديني وغير ذلك مما يجعل المراهق يتمادى ولا يقيم وزناً لحياة الآخرين. الحياة مقدسة، ولو أن هؤلاء المراهقين خضعوا لتربية أخلاقية جيدة لعرفوا مدى قدسيتها، وأدركوا أنها «خط أحمر» لا يمكن تجاوزه.. أي لا يجوز الاعتداء على الآخرين تحت أي ظرف، لكنهم في ظني لم يجدوا مثل هذه التربية ولم يُعلّموا قيمة الحياة وأهميتها، وإدراك خطورة تصرفاتهم غير المسؤولة، التي تتكرر أكثر من مرة. والجدير بالذكر أن شرطة دبي توّعدت بـ«إجراءات صارمة حيال كل حدث أو مراهق يُضبط وبحوزته سكاكين أو خناجر». وحسب القائد العام لشرطة دبي، الفريق ضاحي خلفان «تعتزم شرطة دبي شن حملة أمنية عشوائية مكثّفة في مختلف مناطق الإمارة، لضبط الأحداث الذين يحملون أسلحة بيضاء». كلام جميل وموزون.. لكن أسئلة مهمة تظل تفرض حضورها هنا: لماذا إلى الآن يسهل على بعض مراهقينا الحصول وبكل سهولة على سكاكين وخناجر؟ لماذا يغفل أولياء الأمور عن «رعيتهم»؟ وبماذا هم مشغولون عنهم؟ أين الدور التربوي الذي ينبغي أن تقوم به المدارس التي لم تعد تربّي، وأخشى أن أقول لم تعد تعلّم أيضاً؟ ثمة أسباب كثيرة وراء ما يشهده مجتمعنا من سلوكيات أطارئة، من فئات عدة، ولكن يظل بعضها متوارياً لأنها لا تصل إلى حد الجنحة أو الجريمة، فتبقى أشبه بالنار الساكنة في الرماد، التي يمكن لأي نفخة أن تؤججها.

السلوك الأخير وجد النار التي تؤججه، فوصل إلى حد أنه أصبح جريمة ولفت انتباه المجتمع، ووجد من يتتبعه ليحلّه.. لكن المشكلة لا تحتاج إلى حل فقط بل إلى تحليل معمق، يسفر عن معرفة تؤدي إلى علاجات على أكثر من مستوى.. علاجات تدعّم عمل الشرطة وقد تسهم في اقتلاع المسألة من جذورها، فمن غير المعقول أن يغفل الآباء والأمهات عن وجود أسلحة «ليست بيضاء» بحوزة أبنائهم، هي في حقيقة الأمر أداة قتل مصبوغة بالأحمر.

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر