أبواب

السقوط

سالم حميد

في بداية العصر العباسي، وعلى مدى امتداده لقرون عدة، ظهرت مجموعات من الفرق الإسلامية الكلامية المتأثرة بالأفكار الفلسفية القديمة لثقافات أوروبية وآسيوية، ثم تصدى لها بعض المشايخ، كالحسن البصري والأشعري والغزالي وابن حنبل، وبعد سقوط بغداد على أيدي المغول عام ،1258 ظهر ابن تيمية لحماية عقيدة التوحيد، ومن بعده تلامذته كابن قيم الجوزية، وابن كثير، وفي النصف الثاني من القرن الـ،18 ظهرت الحركة السلفية ومؤسسها محمد بن عبدالوهاب، وبعد تعرض العالمين العربي والإسلامي للاحتلال الغربي، برز من حاول إصلاح الفكر الإسلامي، كجمال الدين الأفغاني وعبدالقادر الجزائري ومحمد عبده والكواكبي والألوسي وغيرهم، وكانت أفكارهم ذات طابع فكري اجتماعي، ثم شهد العالم العربي ظهور التنظيمات الإسلامية المعاصرة لمواجهة الاستعمار الأوروبي بعد إلغاء الخلافة العثمانية عام ،1924 وشهد عام 1928 ظهور تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، على يد مؤسسه حسن البنا، الذي كان يبلغ حينها 22 سنة فقط، ولا أعلم هنا أي فكر عاقل يُؤخذ من شاب في هذه السن، ثم تعرض للاغتيال عام ،1949 بعد أن ضاقت الحكومة المصرية ذرعاً به وبجماعته، وكان التنظيم قد تم حله عام .1948

مقتل البنا وحل التنظيم لم يؤثرا كثيراً في أتباعه، بل ازدادوا انتشاراً في الوطن العربي، وأصبحت لهم فروع في مختلف البلدان العربية، لممارسة نشاطات يُقال عنها إصلاحية، لكنها في الحقيقة سلطوية، واستغلت ضعف الوعي الفكري، خصوصاً في منطقة الخليج، التي تعرضت مسبقاً للإرساليات التبشيرية المسيحية تحت غطاء طبي، لكن «حركة الإخوان» استطاعت التغلغل في المجتمع عبر السيطرة الذكية على قطاع التعليم والمؤسسات التي يُقال إنها للإصلاح الاجتماعي، واتسم، عموماً، قطاع التعليم في الخليج في بداياته بالطابع الديني. أما السلطات السياسية في المنطقة، فقد أفسحت المجال للجماعات الإسلامية لممارسة نشاطاتها بحسن نية، خلال فترة الستينات والسبعينات، الأمر الذي أدى إلى انتشارها بشكل واسع، فبرزت جمعيات الإصلاح والإرشاد والتبليغ والدعوة وغيرها، إضافة إلى التيارات المتشددة والمسيّسة، ترجمها جهيمان العتيبي بالاستيلاء على الحرم المكي عام ،1979 وشهد العام نفسه نجاح الثورة الخمينية وتأسيس دولة ثيوقراطية، ما أدى سياسياً إلى ضرورة إيجاد تيارات أخرى لمواجهة الفكر الخميني، فبرز التيار السلفي التقليدي والإصلاحي والجهادي، الذي ازداد انتعاشاً بعد حرب الخليج الثانية عام ،1991 وقبلها القضية الفلسطينية، ثم الغزو الروسي لأفغانستان، والحرب العراقية ـ الإيرانية، وتلك الأحداث والقضايا استغلها «الإخوان» والتيارات المتشددة من أجل السيطرة على المجتمعات العربية، وقد أحسنوا استغلالها، بتسخير أكبر عدد من البسطاء الذين انقادوا خلفهم بكل عاطفة من دون دراسة أو وعي عقلاني.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر