أبواب

جماليات الفيلم

قيس الزبيدي

مسعى كتاب « جماليات الفيلم » الصادر عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث « كلمة » وترجمة أستاذ علم الاجتماع التونسي د. ماهر تريمش، هو رصد منظور تأليفي وتعليمي لشتى مناحي الاختبار النظري لجماليات الفيلم التجريبية ومفاهيمه، التي تطورت في العقود الأخيرة في فرنسا، وكما يبدو فإن هدف هذه المقاربة التعليمية المتعلقة بالسينما، التي تتناول مسائل الفيلم الرئيسة في دراسة نظرية فنية وتقنية نوعية، تضعها تحت تصرف هواة السينما، من أجل بلوغ حصيلة ثقافية واسعة، تساعد عملية إعادة الإنتاج لفئات جمهور سينما جديد، بعيداً عن السينما « التجارية » السائدة.

تصنف « أدبيات السينما » المختلفة في العالم في ثلاث مجموعات متفاوتة جداً: مجلات وكتب للسواد الأعظم وهي منذورة غالبا لممثلي ونجوم السينما، وكتابات لهواة السينما وهي منذورة للمخرجين وللأنواع الفيلمية، وكتابات جمالية ونظرية أقل انتشاراً مخصصة لفئات نخبوية غير محددة، يمكن أيضاً أن يدخل فيها بعض هواة السينما من الذين يشكلون الجمهور الأعظم المستهلك للثقافة السينمائية، خصوصاً أن ما يسم الحالة الفرنسية هو سعة الحقل المخصص لهواة السينما، الذين كانت حركتهم تشهد ممارسة هائلة عبر المجلات المتخصصة وأنشطة نوادي السينما، إضافة إلى مواظبة دائمة على عروض قاعات السينما التجريبية وعلى ارتياد المكتبات السينمائية. من هنا يراهن مؤلفو الكتاب الأربعة ميشال ماري ومارك فيرني وجاك اومون وآلان برغالا بالدرجة الأولى، في عملية غير هينة، على تناولهم لجماليات الفيلم بأسلوب تحليلي تعليمي، يسعى للوصول إلى ذلك الهاوي العليم بالسينما، كما يسميه النقد، لأنه يتحرك داخل المجموعات الثلاث وينتقل من واحدة إلى أخرى ويشكل حلقة الوصل بينها. يتألف الكتاب من خمسة فصول، تبدأ من « تناول الفيلم كعمل فني سمعي - بصري »، و« المونتاج »، و« السينما والسرد »، و« اللغة السينمائية »، وصولاً إلى « الفيلم والمشاهد » وطبيعة العلاقة بينهما، باعتبارها تجربة ذاتية فردية ونفسية وجمالية، تتفاعل جدلياً عبر تطور جمهور السينما وتطور الأفلام الجمالي العام. كما أن الكتاب يستعين بصور من الأفلام الفنية المميزة ويشرحها وفقاً لطبيعة كل فصل من فصوله النظرية الجمالية.

يعود تاريخ أول طبعة للكتاب، الذي يعاد نشره باستمرار، إلى عام ،1983 ما يبرهن على فائدته المثمرة كدليل تدريبي وتعليمي لدراسة السينما في جانبيها النظري والجمالي، علماً أن طبعته، التي اعتمدتها الترجمة العربية، صدرت عام ،2008 لتواكب أهم المتغيرات التي تبدلت طبيعتها عبر المرور من عهد السينما الفضية إلى عهد السينما الرقمية، وعبر المقاربات النظرية حول عناصر التعبير السمع - بصري، التي كانت تتزامن على الدوام وتتعارض، خصوصاً أن مسألة الصوت وعلاقته بالصور والحكاية مازالت مسألة نظرية ملحة. في الختام يضع مؤلفو الكتاب مراجع بيبلوغرافية مفصلة أمام قرائه من الجامعيين المبتدئين، وقرائه من ذوي المعارف المسبقة، وقرائه من ذوي المعارف المتقدمة، للتدريب على جمالية الفيلم ودراسة نظريته.

وحول الصعوبة التي قد يواجهها القارئ العليم بالسينما في فهم الكتاب، فإن سببها ليس النص الأصلي التعليمي ذاته، إنما سعي المترجم نفسه إلى توليد مصطلحات إشكالية جديدة لا تفيد المعنى المقصود، وفي تجاهله أو عدم معرفته بالمصطلحات الفيلمية المتعارف عليها عربياً، وهي متوافرة في أدبياتنا السينمائية.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر