أبواب

تسجيلي أم وثائقي

قيس الزبيدي

ينظم مهرجان الجزيرة الدولي للأفلام التسجيلية في قطر، في دورته السابعة دورته التي ستعقد في 21 ابريل ندوات عدة، تناقش الموضوعات المتعلقة بصناعة الوثائقيات عربياً وعالمياً، وتحدياتها، وسبل الارتقاء بها. وكما نعرف فإن الوثائقي لم يكن يحظى عندنا في تاريخه بفرص عرض توازي أهميته، بينما بدأنا نرى من سنوات كيف اخذ هذا الفيلم العريق، يجد فضائيات عدة تحتضنه وتنتجه وتبثه بواسطة أقمارها الاصطناعية وتجعل مشاهديه يحاكمون ما هو واقعي بطريقة تختلف عن محاكمتهم لما هو خيالي.

سعى السينمائيون العرب والنقاد منذ السبعينات إلى تثبيت مصطلح «دكومنتري» الذي أطلقه غريرسون على هذا النوع من الأفلام، ونجحوا في وضع تسمية «تسجيلي» وسموا اتحادهم في بغداد اتحاد السينمائيين التسجيليين العرب، كما سموا في القاهرة اتحاد السينمائيين المصريين. وبدا كما لو أن هذا المصطلح أصبح شائعاً في لغتنا العربية، بعد أن أطلقت الفضائية المتخصصة ببث وإنتاج الفيلم التسجيلي حصراً على فضائيتها اسم «الجزيرة الوثائقية». وبهذا بدأ يختفي تدريجياً مصطلح «فيلم تسجيلي» ليحل بدله مصطلح «فيلم وثائقي». لنذكر أيضاً أن هذا الفيلم سُمي في الغرب بتسميات عدة: الوقائعي واللا - خيالي ودراما- المواد الوقائعية، وقد استبدل جان بينويه-ليفي أخيراً، المصطلح بعبارة «أفلام عن الحياة».

لا يمكننا أن نبحث في مسيرة الفيلم التسجيلي وتطور أنواعه وتياراته وجوهر مفهومه، إلا إذا ما دققنا، أيضاً، في اتجاهين اثنين سار فيهما هذا التطور ومتغيراته وحسما، إلى حد بعيد، اتجاهاته، وكانت دائرته تراوح بين الذات المعبرة والموضوع الذي تعبر عنه. خلال معظم مراحل تاريخ السينما، حظيت مسألة الواقعية باهتمام صانعي الأفلام أكثر من اهتمام النقاد النظريين بها. وكما هو الحال في كل وسائل تسمية التعبير الفنية، تكون العلاقة بين الذات والموضوع هي القضية الحاسمة في أي من الفنون، مع مراعاة خصوصية ومزايا وطبيعة كل وسيط فني، لأنه في الفن لا يرصد «موضوع» الواقع إلا عبر رؤية «ذات» معينة. وقد عالجت الناقدة انيه كون في مجلة الشاشة الانجليزية هذين الاتجاهين فيما سمت الاتجاه الأول: الكاميرا-أنا والاتجاه الثاني الكاميرا-عين: وعنت في الاتجاه الأول دور الذات في تناول الموضوع، بشكل يحسم مدى تدخل الذات بقوة في تشكيل موضوع الفيلم ودلالاته، بحيث يرجع مغزاه أساساً إلى حضور قوي إلى الموقف الفكري-الفني للفنان نفسه. بينما عنت في الاتجاه الثاني دور الذات في تناول الموضوع، بشكل يحسم غياب الذات، بحيث يرجع مغزى الموضوع ودلالاته، إلى غياب قوي للموقف الفكري-الفني للفنان نفسه. لهذا يتأتى على أي دارس يبحث في نظرية للفيلم الوثائقي، أن ينصرف إلى دراسة مسيرة تجاربه التاريخية للفيلم ويتفحصها، بعين نفاذة وناقدة، لأن من يصنعه يكتشف حكاياته من الواقع، وليس عليه أن يختلقها أو يُزّيفها، وألا ينسى انه فيلم حول الواقع، حول شيء ما يحدث في الزمن الراهن، وأنه بالتالي فيلم حول ناس حقيقيين وحول ما يحدث للناس في الواقع الحقيقي.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه

تويتر