5 دقائق

كأننا لسنا نحن

ميره القاسم

لا أدري بالضبط ما الذي دهى القنوات الفضائية التي تنتشر في العالم العربي انتشار الفطر، وتفرّخ كل يوم «بلاوي» جديدة لا حصر لها ولا عدد.. دخلاء على الفن لا علاقة لهم بالعمل الإعلامي ولا التلفزيوني من قريب أو بعيد، والفارق بينهم وبين الإعلامي الحقيقي كالفارق بين السماء والأرض، وربما يحتاج إلى كل مخترعات علم الفلك للحساب بالسنوات الضوئية! برامج تافهة، سطحية، مسلوقة على عجل، من دون إعداد ولا معلومات ولا بحث ولا اهتمام بآلام الناس ولا آمالهم ولا أحلامهم.. موضوعات سخيفة، رثة، بالية، مستنسخة. هل تصدقون أن معظم البرامج مستنسخ من برامج أجنبية؟ بالطبع تعلمون، فكل ما يقدّم يتم حشوه لملء وقت الحلقة، وفي النهاية يجد المشاهد نفسه أمام لا شيء، لا يخرج من البرنامج بفائدة تذكر، ولا يضيف إليه معلومة تنفعه في حياته، ولا حتى بعد مماته. لغة ركيكة، لا علاقة لها باللغة العربية الفصحى، ولا حتى باللغة المحكية العادية التي يتكلم بها الناس في حياتهم. لغة هجينة، مخلطة «عربي على إنجليزي على لبناني على فرنسي»، وربنا يستر من الطلياني والإسباني. لغة مخجلة في إيحاءاتها وغمزها ولمزها الذي لا يحيل إلا إلى الجنس وتوابعه، والإثارة الحسية ومتعلقاتها. أداء سمج، بعيد كل البعد عن الكياسة والهدوء وجماليات التعبير والنطق، التي تتراجع للعيون المثقلة بأنواع الكحل والماكياج، حتى لا يظهر منها سوى جفن أسود طويل، كأنه سيف شيطاني مسلط على عباد الله، والصدر المكشوف ليس سوى بقية العدة التي ينبغي أن تتوافر لكثير من المذيعات ليدخلن إلى السيد/ التلفزيون، وبعضهن يذهبن إلى أكثر من ذلك، فيكشفن البطون والظهور والسيقان، وربما يرقصن ويتمايلن، لكي تكتمل «الطلة السخيفة» بكل اكسسواراتها ومستلزماتها. رأس مالهن الوحيد الغنج والعري والفتنة و«اعوجاج الشفاه ع الطالع والنازل وبلا أي مبرر سوى الإغواء والانتفاخ»، ومذيعون «الله يستر»، تتساءل حين تراهم بسبب ميوعتهم وملابسهم: هل هم حقاً من صنف الرجال؟ أما من يقدمن برامج محلية وغيرها على أساس أنهن «بنات لبلاد»، فأقول لهن «ارحمونا من العباءة المرصصة» الضيقة التي تبرز الصدر، وخلافه. أما تلفزيون الواقع فحدث ولا حرج... تجاوزات أخلاقية واجتماعية لا يبررها شيء، والمبرر الذي يسوقه مؤيدو هذا السخف الإعلامي طيب. باختصار يا سادة يا كرام، تلفزيوناتنا ليست لنا، لا علاقة لها بنا ولا بواقعنا ولا بهمومنا ولا بأفراحنا ولا بأتراحنا ولا بأولادنا ومشكلاتهم الدراسية والتربوية والنفسية، ولا بشبابنا وتهورهم وطيشهم ونجاحاتهم وتفوقاتهم وخيباتهم التعليمية والعملية، ولا بتميزهم في حال تميزوا، ولا بأي شيء يعنيهم في زواجهم وعملهم وحياتهم وأوضاعهم. تلفزيوناتنا لا علاقة لها بأوجاعنا اليومية، ولا بقضايانا ولا أحلامنا ولا عاداتنا وتقاليدنا، وإن تناولت هذا الجانب فمن يقدمونه أجانب لا علاقة لهم بناقة أو جمل! تلفزيوناتنا لا علاقة لها حتى بالدخل الذي ينتهي قبل أن يجر الشهر ذيل ثوبه، ولا بالأطعمة الفاسدة والأفكار الفاسدة والصرعات الفاسدة التي تمتلئ بها «المولات»، ولا التغريب الذي يراه الواحد أينما ذهب، كأننا لسنا نحن، كأننا بشر غيرنا!

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .

تويتر